25الحرام، الذي جعلَه قبلةً للأنام، يَرِدونَهُ ورودَ الأنعام، ويألهُونَ إليه وُلُوهَ الحَمام، وجعلَه - سبحانه - علامةً لِتواضعهم لعظمته، وإذعانِهم لعزتِه، واختارَ مِن خلقِهِ سُمّاعاً أجابوا إليه دعوتَه، وصدّقوا كلمتَه، ووقفوا مواقفَ أنبيائه، وتشبَّهوا بملائكته المُطيفينَ بعرشة، ويحرزُونَ الأرباحَ في متجرِ عبادتِه، ويتبادَرونَ عنده موعدَ مغفرته، جعله - سبحانه وتعالىٰ - للإسلام علَماً، وللعائِذين حرماً، فرضَ حَقَّهُ، وأوجبَ حجَّهُ، وكتب عليكم وِفادتَهُ، فقال سُبحانه: « وللّٰه على النّاس حِجُّ البيتِ من استطاع إليه سبيلاً ومَن كفرَ فإن اللّٰه غنيٌّ عن العالمين» .
ويقول عليه السلام في الخطبة العاشرة بعد المائة:
«إن أفضل ما توسَّل به المتوسلونَ إلى اللّٰه سبحانه وتعالى الإيمانُ به وبرسوله، والجهاد في سبيله . . . وحجُّ البيت واعتمارُهُ، فإنهما يَنفيان الفقرَ ويرَحَضَانِ الذنبَ. . .» .
ويقول عليه السلام في أواسط الخطبة القاصعة ناظراً إلى التواضع ونبذ الاستكبار:
«أَلا ترونَ أنَ اللّٰه - سبحانه - اختبرَ الأولينَ من لدن آدَم - صلوات اللّٰه عليه - إلى الآخِرينَ من هذا العالَم، بأحجارٍ لا تضرُّ ولا تنفعُ، ولا تُبصِرُ ولا تَسمَعُ، فجعلَها بيتَه الحرامَ «الذي جعلَه للناسِ قياماً» . ثمَّ وضعَهُ بِاَوْعَرِ بِقاعِ الأرض حَجراً، وأقلِّ نتائِقِ الدنيا مدراً، وأضيقِ بطونِ الأودية قُطراً. بين جبالٍ خَشِنَةٍ ورمالٍ دَمِثةٍ وعيونٍ وَشِلةٍ وقُرًى مُنقطعةٍ، لا يَزكُو بها خُفٌّ ولا حافِرٌ ولا ظِلفٌ. ثمّ أمرَ آدمَ عليه السلام وَولدَهُ أن يثنُوا أعطافَهم نحوهُ، فصارَ مثابةً لمنتجعِ أسفارِهم، وغايةً لمُلقىٰ رحالِهم، تهوي إليه ثمارُ الأفئدةِ من مفاوِزِ قِفارٍ سحيقةٍ، ومهاوِي فِجاجٍ عميقةٍ، وجزائرِ بحارٍ منقطعةٍ، حتىٰ يهزّوا مناكبَهم ذُللاً يهلّلونَ للّٰهحولَه، ويرمُلُونَ على أقدامِهم شُعْثاً غُبْراً له.
قد نبذوا السرابيلَ وراءَ ظهورِهم،