20عن الأماكن الأخرىٰ، والشاهد علىٰ ذلك قوله تعالىٰ: « ومَن يُرد فيه بإِلحاد بظُلمٍ نذقهُ من عذابٍ أليمٍ» 1؛ ولكن اللّٰه تعالىٰ يؤاخذ الظالمين في الأماكن الأخرىٰ أيضاً: « ولا تحسبَنّ اللّٰهَ غافلاً عمّا يعملُ الظالمونَ» 2. غير أن الأخذ الفوري والقضاء السريع علىٰ حياة الظالم، يختص بالبلد الأمين وأرض مكة فقط.
وتأسيساً علىٰ ذلك، فإن دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام بطلب الأمن والرزق لمكة وساكنيها، يجمع بين التكوين والتشريع. « وإذ قال إبراهيم ربِّ اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهلَه منَ الثمرات مَن آمن منهم باللّٰه واليوم الآخِر قال ومَن كفرَ فَأمَتّعُهُ قليلاً ثم أضطرُّهُ إلىٰ عذابِ النار وبئسَ المصيرُ» 3؛ فبعد أن دعا عليه السلام ربّه بجعل هذا البلد آمناً، وأن يرزق أهله من الثمرات، خصّ دعاءَه بالمؤمنين من الناس، ولهذا قال عليه السلام مباشرةً ودون فصل: من آمن منهم باللّٰه واليوم الآخر، دون أهل الكفر. فاستجاب اللّٰه سبحانه وتعالىٰ لدعائه، فجعلنا مكة أرضاً مباركةً لأهلها جميعاً، إلّاأن المؤمن له في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، ويمكن طبعاً أن ينعم الكافرون بنعم مكة أياماً معدودة ببركة المؤمنين، ولكن عاقبة أمرهم ستكون سوء العذاب.
الشاهد الآخر قوله تعالىٰ في سورة الأنفال: « واذكروا إذ أَنتم قليلٌ مستضعَفونَ في الأرض تَخافونَ أن يتخطّفكم الناسُ فَأويٰكَمْ وأيّدكُم بنصره ورَزَقَكُم من الطيبات لعلّكم تشكرونَ» 4؛ حيث كان الاختطاف أمراً تكوينياً؛ ولذا فإن الأمن مقابل ذلك يعدّ أمراً تكوينياً أيضاً.
والشاهد الآخر: هو قول أهل مكة لرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم: « وقالوا إنْ نَتَّبعِ الهدىٰ معكَ نُتَخطّف من أرضنا» 5أي لو آمنّا بك فلن نشعر بالأمن.