19يقول في مكان آخر: « وَضربَ اللّٰهُ مثلاً قريةً كانت آمنة مطمئنةً يأتيها رِزقُها رَغَداً من كلّ مكانٍ فكفرتْ بأنعُمِ اللّٰهِ فأَذاقها اللّٰهُ لباسَ الجُوع والخَوفِ بما كانوا يصنعونَ» 1؛ أي مع أنهم كانوا ينعمون بنعمة الأمن، إلّا أنّه وبسبب الكفران بتلك النعمة، تغيرت الأوضاع وزال الرزق الوفير وحلّ محلّه الجوع. إذن فإن المسألة ليست بهذا الشكل، بأن اللّٰه - سبحانه وتعالىٰ - لو جعل بقعةً ما من الأرض مأمناً، وكفر أهل تلك البقعةِ بأَنعُمِ اللّٰه، فإنّه - تعالىٰ - سيديم نعمته عليهم، ويتلطف عليهم بدوام الأمن والأمان، كلا، حيث يقول جلّ وعلا في موضع آخر:
« ولو أنّ أهلَ القرىٰ آمنوا واتقوا لفتَحنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرضِ ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسِبُونَ» 2؛ - وأهل القرىٰ يشمل هنا كل منطقة بشكل عام - إذن فكلتا الحالتين - نزول البركات والبلاء - أمران تكوينيان إلّاأنّه من الممكن طبعاً أن يمهل اللّٰه أحياناً ومن ثم يعود فيؤاخذهم.
إن الأمن لا يعني عدم وقوع المذابح هناك، بل إنّ اللّٰه - تبارك وتعالىٰ - جعل من ذلك المكان مأمناً، علىٰ أساس لطفه الخاص، ولكن لو ضلّ الناس هناك وكفروا، فإنه - تعالىٰ - سيؤاخذهم؛ لأنه قال: « ولا يحسبنّ الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم» 3، ومن الممكن طبعاً أن تتمكن حكومة ظالمة في غير مكة أن تحكم بالظلم لسنين متمادية، ولكن الأمر ليس كذلك في أرض مكة. إذن نخلص إلى القول، بأن أرض مكة لا يمكن أن تتجرد عن أي أمنٍ تكويني، وأن يعود أمنها إلىٰ خصوص التشريع فقط.
وبعبارة أخرىٰ: أن أرض مكة ليست كالجنّة لا يقع فيها أي إثم: « لا لغوٌ فيها ولا تأثيمٌ» 4، بل إن لها أحكام الدنيا، إلّاأنّ هذا المكان يختلف