21ويجيب القرآن الكريم علىٰ دعائهم بقوله: « أَولَم نمكّن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمراتُ كلّ شيءٍ رزقاً من لَدُنّا ولكنَّ أكثرَهُم لا يعلمونَ» 1؛ أي إننا جعلنا لبلد مكّة ميزتين:
1 - وجود الأمن حيث إن جميع الناس يلتزمون بمراعاة حرمة الحرم.
2 - البركات المادية المتمثلة بتوفر جميع الأطعمة والثمرات فيها. بينما ينعدم توفرُ الاثنين معاً أو أحدهما في مكان آخر، ويندر توفر هاتين النعمتين معاً في مكان واحد، طبقاً للظروف الاعتيادية والاقليمية المألوفة.
جديرٌّ بالإشارة إلىٰ أن أهل مكّة وبحسب الظاهر يجب أن يفتقدوا حالة الإحساس بالأمن؛ لأن أهل الحجاز كانوا مطبوعين بطابع البطش وشن الغارات من جهة، ومن جهة أخرىٰ كانوا محرومين من مظاهر العلم والثقافة، والزراعة وتربية الحيوانات، والصناعة وغيرها. ومن الطبيعي أن يتحول المجتمع الجاهل الجائع إلىٰ مجموعة قطاع طرق يتصفون بالسلب والنهب وشن الغارات، ولكن مع ذلك، فإن اللّٰه سبحانه وتعالىٰ يقول:
لقد جعلنا مكة محلاً آمناً ومباركاً، ولهذا فإن أهل مكة لا يمتلكون حقّ التعلل وخلق الأعذار.
الجواب على إحدى الشبهات:
لو كانت أرض مكة ترفل بالأمن، فلماذا هاجر المسلمون في صدر الإسلام، إلىٰ أرض الحبشة؟
وجواباً عن هذا التساؤل لابد من القول: ولئن كان المسلمون يعانون من المشقة والألم، إلّاأنّ هجرتهم إلى الحبشة كانت تنطوي علىٰ بعدٍ تبليغي أكثر من تعبيرها عن الاستجابة للضغط المستخدم ضدهم؛ لأن النساء كانت تعيش بأمان في مكة، بينما لاحظنا مرافقة النساء للرجال في الهجرة إلى الحبشة، وإن دّل هذا علىٰ شيء فإنما يدل على الرغبة في قيام النساء بالترويج للشريعة في أوساط النساء، والرجال في أوساط الرجال.