96بعضها. وبقي البعض الآخر في ذاكرة الكتب والرسائل. بقي على الزمن رغم كلّ ملابسات التاريخ ومنعطفاته وحالاته المتذبذبة. بقي لقوة في الموقف نفسه.
ومن تلك المواقف الطيبة والخالدة. ذلك الموقف الثلاثي المذكور آنفاً.
الموقف الذي دار بين الإمام زين العابدين عليه السلام والشاعر العربي المسلم الفرزدق، والخليفة الأموي هشام بن عبد الملك. في حضرة قصيدة عربية إيمانية رائعة.
خلّدت الموقف. خُلدت لأنها ذكرت حقيقة جريئة لا يقولها إلّاجريء، يتوقع كلّ شيء من الحاكم. الحبس والقتل والتعذيب، وما إلىٰ ذلك.
لقد خُلدت تلك القصيدة الرائعة، التي حملت ذلك الموقف الجريء وانتشرت وامتدت مدة طولها ثلاثة عشر قرناً من الزمان ووصلت إلينا، لنعرف من خلالها أن الحق والمعقولية والقوة الذاتية الحقيقية تعيش في كلّ زمان ومكان، تعيش حتىٰ في ظل السلطان الجائر، بل وتتحدىٰ كلّ السلاطين القساة العتاة في التاريخ الطويل. ولنقرأ ذلك الموقف العظيم. تلك القصيدة الرائعة.
لما حجّ هشام بن عبد الملك في أيام أبيه عبد الملك. طاف بالبيت الحرام.
وجهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه، فلم يقدر علىٰ ذلك لكثرة الزحام، فَنُصب له كرسي وجلس عليه ينظر إلى الناس ومعه جماعة من أعيان الشام.
فبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام الكريم زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فطاف بالبيت. فلما انتهىٰ إلى الحجر الأسود تنحّىٰ له الناس حتىٰ استلم الحجر. فقال رجل من أهل الشام لهشام بن عبد الملك: مَن هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة؟ فقال هشام: لا اعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام. وكان الشاعر العربي المسلم المعروف الفرزدق حاضراً في ذلك الموقف، فقال بقوة واعتداد أنا أعرفه، ثم اندفع بقصيدته المشهورة هذا الذي تعرف البطحاء وطأته. . . 1التي سنأتي على ذكرها.