44بنفسك حولَ البيت؛ وهَرْوِلَ هَرْولةً مِن هَواك وتبرّؤاً مِن حولك وقوّتك، واخْرُجْ مِنْ غَفْلتِك وزَلّاتِك بخروجك إلىٰ مِنىً، ولا تَتَمَنَّ ما لا يَحِلُّ لك ولا تَسْتَحِقُّه؛ واعترِفْ بالخطايا بعَرَفاتٍ؛ وجَدِّدْ عهدَك عند اللّٰه تعالىٰ بوحدانيته، وتقرَّبْ إليه واتَّقِه بمُزْدَلَفَةَ؛ واصْعَدْ بروحك إلى الملإ الأعلىٰ بصعودك إلى جبل؛ واذْبَحِ الهوىٰ والطمع عندَ الذبيحة؛ وَارمِ الشهواتِ والخَساسة والدَناءة والذميمة عندَ رَمْي الجَمَراتِ؛ واحْلَقِ العيوبَ الظاهرةَ والباطنةَ بِحَلْقِ شَعْرِك؛ وادخُلْ في أمان اللّٰه تعالىٰ وكَنَفهِ وَستْرِه وكَلاءته مِن متابعة مرادك بدخولك الحرمَ؛ ودُرْ حولَ البيت مُتَحقِّقاً لتعظيم صاحبه ومعرفةِ جلاله وسلطانه؛ واسْتَلِمِ الحَجَرَ رضاً بقسمته وخضوعاً لعزَّته؛ ووَدِّعْ ما سِواه بطَواف الوَداع، وأصْفِ روحَك وسِرَّك للقائه يومَ تَلْقاه بوقُوفك على الصفا؛ وكُنْ بِمَرأىٰ من اللّٰه عند المَروة؛ واسْتَقِمْ علىٰ شرط حجِّك هذا ووفاء عهدك الذي عاهَدتَ مع ربِّك، وأوْجَبْتَه له إلىٰ يومِ القيامة.
واعلم بأنّ اللّٰهَ تعالىٰ لم يَفترضِ الحجَّ ولم يَخُصَّه مِن جميع الطاعات بالإضافة إلىٰ نفسه بقوله عَزَّ وجلَّ: « وللّٰه على الناسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ اسْتَطاع إليه سبيلاً» 1إلّاللاستعانة على الموت والقبر والبَعْثِ والقيامة والجنّة والنار بمشاهَدَةَ 2مناسِكِ الحجِّ مِن أوَّلها إلىٰ آخرها، وفي ذلك عِبرةٌ لأُولي الألباب والنُهىٰ 3انتهىٰ.
ولْنَشْرَعِ الآنَ في الأحكام الشرعية:
فاعلم أنّ الحجَّ ثلاثةُ أنواعٍ: تمتُّعٍ وقِرانٍ وإفرادٍ، فالَتمتُّعُ فَرْضُ مَنْ نأىٰ عن مكَّةَ بثمانيةٍ وأربعين مِيلاً، والآخرانِ فَرْضُ حاضريها ومَن في حكمهم. والفرقُ