26وأمّا أمثال هذه الأعمال، فإنه لا اهتداء للعقل إلىٰ أسرارها، فلا يكون للإقدام عليها باعث إلّاالأمر المجرد وقصد امتثاله من حيث هو واجب الاتباع فقط، وفيه عزل للعقل عن تصرّفه، وصرف النفس والطبع عن محلّ أنسه المعين على الفعل من حيث هو، فإنّ كلّ ما أدرك العقل وجه الحكمة في فعله مال الطبع إليه ميلاً تاماً، فيكون ذلك الميل معيناً للأمر وباعثاً على الفعل، فلا يكاد يظهر به كمال الرق والانقياد، ولذلك قال صلى الله عليه و آله و سلم في الحج على الخصوص:
«لبّيك بحجّة حقّاً تعبّداً ورقّاً» 1، ولم يقل ذلك في الصلاة وغيرها.
وإذا اقتضت حكمة اللّٰه سبحانه ربط نجاة الخلق بكون أعمالهم علىٰ خلاف أهوية طباعهم، وأن تكون أزمتها بيد الشارع، فيتردّدون في أعمالهم علىٰ سنن الانقياد ومقتضى الاستعباد، كان ما لا يهتدى إلىٰ معانيه أبلغ أنواع التعبدات، وصرفها عن مقتضى الطبع إلىٰ مقتضى الاسترقاق، ولهذا كان مصدر تعجب النفوس من الأفعال العجيبة هو الذهول عن أسرار التعبدات.
وأما الشوق:
فباعثه الفهم أنّ البيت بيت اللّٰه، وأنه وضع علىٰ مثال حضرة الملوك، فقاصده قاصدٌ للّٰهتعالىٰ، ومَن قصد حضرة اللّٰه تعالىٰ بالمثال المحسوس، فجدير أن يترقىٰ منه بحسب سوق شوقه إلى الحضرة العلوية والكعبة الحقيقية التي هي في السماء، وقد بني هذا البيت علىٰ قصدها، فيشاهد وجه ربّه الأعلىٰ بحكم وعده الكريم.
وأمّا العزم:
فليستحضر في ذهنه أنه لعزمه مفارقٌ للأهل والولد، هاجر للشهوات