156له؛ لأنّ ذلك الفضل وتلك القدسية وهذا التعظيم، وأيضاً وجوب البدء به في كلّ شوط من الطواف والانتهاء اليه، واستحباب التبرّك به تقبيلاً ولمساً أو استلاماً والدعاء عنده. . . كلّ هذهِ الأُمور ثبتت عندنا بالسنّة الصحيحة لرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فعلاً وقولاً وتقريراً، وسار عليها الصالحون وعموم المسلمين تعبداً، واقتداءً واتّباعاً لرسول اللّٰه صلى الله عليه و آله وتأسيّاً به، ولا يهمنا بعد هذا ما تحمله تلك الأقوال والآراء ككونه درّة بيضاء في الجنّة، أو أنزله جبريل من السماء، أو كان ياقوتاً أو جوهراً أو شيئاً آخر، أو أنه كما قرأت: مِن أن رجلاً من القرامطة، قال لرجل من أهل العلم بالكوفة، وقد رآه يتمسّح به وهو معلّق على الأُسطوانة السابعة: ما يؤمنكم أن نكون غيّبنا ذلك الحجر وجئنا بغيره؟ فقال له: إنّ لنا فيه علامة، وهو أننا اذا طرحناه في الماء لا يرسُب، ثمّ جاءَ بماء فألقوه فيه، فطفا على وجه الماء 1.
نعم، قد تزيدنا هذه الأقوال والآراء معرفةً به، واطلاعاً عليه، لو ثبتت أمام التحقيق العلمي لها. أما لو تركنا نحن وهذهِ الأقوال والآراء - وبعيداً عن السنّة المباركة - فإنّنا لا نستفيد تلك القدسية ولا ذلك الوجوب أو الاستحباب.
صحيح أن قراءة روايات الحجر الأسود التي سأذكر قسماً منها من السنّة والشيعة، وقراءة سيرة رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله من الوقوف مستقبلاً هذا الحجر والدعاء عنده، ولمسه أو استلامه وتقبيله. . . هذه القراءة تبين لنا أنه حجر ذو شأن كبير وأثر عظيم، وأنه ليس كباقي الأحجار الأُخرى التي قد يحمل نفس مكوّناتها.
وعلى فرض صحة ما ذكرناه من أن إبراهيم عليه السلام قال لإسماعيل: إئتني بحجر ليكون علماً للناس، يبتدئون منه الطواف، لكن هذا لا يمنع من أن تكون له أغراض أُخرى، - غير كونه علماً يُبتدأُ منه الطواف - إن لم تكن في الدنيا ففي الآخرة كما تحدّثت عنها روايات الفريقين، وليس عجيباً وغريباً أن يدلي بشهادته في ساحة الحساب الأكبر « يومَ تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه. . .» 2.