62
المقالة الثانية:
في حلّه علىٰ دأب الأشاعرة 1
وهو موقوف علىٰ بيان مقدّمتين مترتّبتين:
الأولى: انّ ما يصدر عنه - تعالى - ليس علىٰ سبيل الايجاب بمعنى امتناع انفكاك الأثر عن الذات كما يقول به الحكماء، ولا علىٰ سبيل الوجوب العقلي كما يقول به المعتزلة 2، بل كلّ ما يصدر عنه - تعالى - يصدر بالقدرة والاختيار، بمعنى صحّة الفعل والترك مطلقاً، سواء كان بالنظر إلى ذاته كما يوافقهم فيه جمهور المعتزلة، أو بالنظر إلى غيره بخلاف ما ذهب إليه المعتزلة من عدم صحّة الترك بالنظر إلى الداعي والعلم بالأصلح.
وبنوا علىٰ هذه المقدّمة أنّ فعله - تعالى - ليس لغاية ولا عرض، بل نفس إرادته القديمة كافية في صدور الفعل من غير إفضائه إلى الإيجاب والوجوب المذكورين.
الثانية: أنّ لا مدخليّة لشيء من الأشياء في وجود أمر من الأُمور، ولا في عدمها بنحوٍ من الأنحاء حتّىٰ انّهم نفوا ربط الشرطيّة واللزوم والآليّة وغيرها بين الأشياء بعضها بالنسبة إلى بعضٍ.
وبالجملة نفوا افتقارها إلى ما سوى اللّٰه مطلقاً حتّىٰ حكموا بعدم افتقار العرض إلى الموضوع، وما يرى في الوجود من الارتباط بين الأشياء ليس ارتباطاً ذاتيّاً، بل هو ممّا جرت سنّته - تعالى - عليه.
وبنوا علىٰ هذه المقدّمة جواز تعذيب المطيع، وإثابة العاصي منه - تعالى - لعدم مدخليّة الإطاعة والعصيان في الثواب والعقاب، لكن جرت سنّته بإثابة المطيع، وتعذيب العاصي «ولن تجد لسنّة اللّٰه تبديلاً» 3، فكلّ ما يصل من اللّٰه الى العبد من الخير والثواب تفضّل منه - سبحانه - لا لأهليّة العبد واستحقاقه.