63إذا تمهّدت هذه نقول: علىٰ وفق قواعدهم المذكورة: إنّه عليه السلام لمّا علم جريان سنّته بإفاضة الخير والجود عند تمسّك العبد بالوسائل - وكان من أعظم الوسائل هو الفقر -، قال: «ها أنا أتوسّل إليك بفقري إليك» . ولما كان هذا موهماً كونه مستحقّاً المسؤول بهذه الوسيلة، وأنّ لها أثراً في فعله - تعالى - نفاه بقوله: «وكيف أتوسّل إليك بما هو محال أن يصل إليك؟» نافياً كونه مؤثراً، مثبتاً قدرته واختياره - سبحانه - في كلا الحالين، فأثبت كونه وسيلة بحسب عادة اللّٰه وسنّته، ونفى كونه وسيلة مؤثرة بحسب الواقع لعدم إمكان التأثير من غيره - تعالى - فارتفع الاشكال واندفع التناقض.
المقالة الثالثة:
في حلّه علىٰ رأي الحكماء
ويتوقّف بيانه علىٰ مقدّمتين:
إحداهما: أنّ الممكن بما هو ممكن زوج تركيبي؛ لأنّ كونه ليس من ذاته غير كونه من فاعله، وهو مركّب الحقيقة منهما، وهذا هو المراد من قولهم: الممكن في حدّ ذاته ليس وبفاعله يصير، أي فكلّ ممكن مشتمل علىٰ هاتين الجهتين، ويعبّرون عن هذا العدم بالعدم الذاتي بمعنى عدم الاقتضاء، ويحكمون باجتماعه مع الوجود الفائض من العلّة، ولا يلزم اجتماع النقيضين لاختلاف الإضافة، فجميع الممكنات معدومة في حدود ذواتها، موجودة بفاعلها.
الثانية: أنّه لابدّ من مناسبة بين العلّة والمعلول مطلقاً، سواء كانت العلّة من العلل الذاتيّة أو العرضيّة، وإلّا لجاز استناد كلّ شيء إلى كلّ شيء، وكون كلّ شيء مصدراً لكلّ شيء، وما يرى في الوجود من الاختصاص 1يكون ترجّحاً من غير مرجّح، وهو محال، فتعيّن ضرورة المناسبة.