61الوجود المتعيّن لكن لا بما هو موجود، بل بما هو متعيّن، فالفقر عندهم هو نفس التعيّنات الاعتباريّة؛ لأنّها إعدام صرفه كما عرفت.
وإذا تمهّدت هذه نقول: حلّ كلامه عليه السلام علىٰ رأيهم: انّه أراد أن يشير إلى بيان مراتب قرب السالكين إلى اللّٰه، والسائرين إليه، وترتّب درجاته، وتفاوت مراتبه وغير المرتبة العليا من القرب الذي هو الوصول من المراتب التي وقعت في البين إنّما يحصل للمتمسّكين بالوسائل، وتختلف مراتب قربهم حسب اختلاف الوسائل قوّة وضعفاً، وهي من الكثرة بحيث لا يكاد تنضبط، ولا شكّ أنّ أقوى الوسائل هو ما يجده المتوسّل من نفسه، لأنّ الوسيلة إذا كانت ذاتيّة يكون أتمّ وأقوى منها إذا كانت خارجيّة.
فأشار عليه السلام في الفقرة الأُولى إلى هذا المقام وجوب الفقر الذي نفس التعيّن وسيلة للقرب، وعلّة محوجة إليه ضرورة احتياج المقيّد إلى المطلق، فمعناها: ها أنا أتوسّل بسبب تعيّني وهويّتي إليك، وهذا القرب المطلق هو القرب الذي لم يبلغ درجة الوصول لكون الوسيلة فاصلة بين المتوسّل والمتوسّل إليه، والسالك في هذا المقام ملاحظ لنفسه فارق بينها وبين الذات الأحديّة، وكمال القرب هو الاتّصال الذي عبارة عن ملاحظة العبد عينه متّصلاً بالوجود الأحدي بقطع النظر عن تعيّن وجوده، وإسقاط إضافته إليه حتّىٰ يبقى موجوداً به، ولا يرى إلّا واحداً كما قال قائلهم: در چنين حال ديده بگشايد در نظر جز يكيش ننمايد
ولا شك أنّ هذه المرتبة لا تحصل للعبد ما دام ملاحظاً لنفسه إذ لا يمكن أن يصل غبار التعيّن إلى ذيل جلال الإطلاق، فانقطع عن الوسيلة التي هي سبب للقرب المفصول طالباً للقرب الذي هو الاتّصال، وقال: كيف أتوسّل بما هو محال أن يصل إليك؟