59أيضاً.
وأمّا ثانياً: فللإشعار بتفاوت مراتب التنزيه المسبّب عن تفاوت درجات مراتب المعرفة وترتّبها، والإشارة إلى أنّ من بلوغ المرتبة العليا يُعلَم عدم جواز الرجوع إلى المرتبة الدنيا، وأنّ ما يصل به العالم إلى نعيم قربه - تعالى - سبب لبعد الأعلم منه أن جعله وسيلة، ألا ترى أنّه - سبحانه - قال: «إنّ الأبرار لفي نعيم» 1؟
وقد ورد في الخبر: «إنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» .
الفصل الثاني: في تحقيق معنى الفقر.
قد اختلفت الآراء في تحقيقه، فجعله بعضهم ضدّ الغنى، وحكم بكونهما أمرين وجوديّين.
وقال بعضهم بكون الغنى عدم ملكة الفقر، فحكم بكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة.
والحقّ عكس الثاني، وما قيل في تعريف الغنى من أنّه عدم الحاجة فتعريف له يلازمه لا تحديده، لأنّ الفقر بحسب النظر الدقيق ليس إلّافقد الكمال مطلقاً، أو ما يوصل إليه.
وبالجملة كلّ ما يكون وجوده شيء أولى من عدمه له فعدمه له من حيث هو كذلك نفس فقره، وفاقده من هذه الحيثيّة فقير وإن كان غنيّاً باعتبار وجود أمر آخر كمال له من جهة أُخرى، كما أنّ الجاهل فقير لفقدان العلم الذي هو كمال لنفسه، وغني بحسب وجود الشبع مثلاً الذي هو كمال لبدنه، أو ما يتوصّل به إليه، فالفقر نفس العدم، والغنى عين الوجود، فإن كان الوجود ذاتيّاً للشيء يكون غنيّاً بالذات، وإن كان من غيره يكون فقيراً بالذات غنيّاً بالغير، فالغنيّ بالذات هو اللّٰه - سبحانه -، وما سواه فقير إليه مطلقاً.