8حشده التشريع الإسلامي في تشريعه، في الحج من عدة جوانب، تتفرّع في شكلها وفي طبيعتها، وفي ايحاءاتها، فإذا وقفنا في أجواء الإحرام، فإننا نشعر بأن هناك نوعاً من أنواع التدريب على أن يتحرر الإنسان من كل ما يعيق حركته من الارتباط بكل الأشياء التي يمارسها في عاداته، أو في أجواء الترف التي يحبها، أو في أجواء الحياة الاجتماعية التي يعيش في داخلها.
ثم بعد ذلك - نجد كلمات التلبية - فيما توحي به في معانٍ واسعةٍ - تعني التزاماً أمام اللّٰه سبحانه، بطريقةٍ مؤكّدةٍ مضافةٍ بالاستجابة لكل نداءات اللّٰه. . ليس - فقط - ما يقوله بعض المفسرين والمحلّلين، أنّ كلمة « لبيك» يراد بها الاستجابة لنداء إبراهيم عليه السلام فيما أمره اللّٰه به، من أن يؤذن للناس بالحج ليدعوهم إلى الإقبال عليه، فيما تحدث به القرآن الكريم في قوله تعالى:
« وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامرٍ يأتين من كلّ فجّ عميق ليشهدوا منافع لهم. . .» 1.
فنحن نرىٰ أن المسألة أكثر شمولاً في ذلك؛ لتكون استجابةً لكل نداءات اللّٰه في كتابه وفي رسالته فيما وجهه للناس، بعنوان «يا أيها الناس» وفيما وجهه للمؤمنين من خلال الإيمان بعنوان «يا أيها الذين آمنوا. .» .
إن كلمة « لبيك» تعني. . إننا يا رب نلتزم في موقفنا هذا، بكل نداءاتك بالإسلام كله، في عباداته، وفي أخلاقه، وفي جهاده، وفي سياسته واقتصاده. . وفي مواجهة كل التحديات التي يواجهها الإنسان من الشيطان الداخلي في عمق نفسه، أو من الشيطان الخارجي في عمق واقعه وفيما يحيط بحياته. .
إنها الحركة الصارخة، في النداء الذي تنطلق به كل حناجر الحجاج؛ لتؤكد موقفهم الذي يريد أن يلتزم بالإسلام من جديد، في مسيرتهم إلى مركز الدعوة الإسلامية الأولى في مكّة. . ؛ لتكون مسيرة الحجاج من سائر أقطار العالم هي مسيرة الإسلام التي تقول: - من خلال تلك الكلمات الخاضعة الهادرة - يا رب. . إذا كان الناس قد تركوا الإسلام، فلم يؤمنوا به، ولم يرتبطوا به. . وإذا كان المسلمون قد انحرفوا عن خطه، وتركوا الكثير من تعاليمه، وانتموا إلى الاتجاهات الأخرى التي تختلف عن خطه المستقيم. . إذا كان الواقع هو ذلك. . فها نحن قادمون إلى بيتك المحرّم. . ؛ لنقول لك، من كل قلوبنا، ومن كل عقولنا، ومن كل مواقعنا ومواقفنا وتطلعاتنا. . « لبيك اللهم لبيك» . فقد جعلت الإسلام لنا - بكل عمقه وامتداده -. . رسالة الحياة، ونحن نريد أن ننطلق إلى الحياة، من خلاله. .
ومن هنا قد نفهم كيف أن التشريع لم يقتصر على كلمة « لبيك» ولكنه أضاف كلمة « وحدك لا شريك لك» ؛ ليؤكد الإنسان فيها أن التلبية التي تتوجه إلى اللّٰه سبحانه، لا يمكن أن تتوجه لأيّ انسانٍ آخر، فنحن في الحياة عندما نريد أن نستجيب لنداءٍ من أيّ منادٍ، أو لكل مبدإ أو قانونٍ من أيّ مشرّعٍ أو مفكّرٍ، أو لأيّة علاقة بالناس، فلابد من أن يكون ذلك منطلقاً من استجابتنا للّٰه، وعلاقتنا به؛ لتكون علاقاتنا بالحياة كلها منطلقةً من ذلك. . فلا شيء. . ولا حد. . مع اللّٰه. . فهو وحده الذي نتوجه إليه بكل ما في قلوبنا من محبة وإخلاص وعبودية. . فلا نتوجه لأيشخص معه. . بل إن علاقتنا بالناس منطلقة من علاقتنا باللّٰه، من خلال باب اللّٰه الذي يدخل منه الجميع. . حتى علاقتنا برسول اللّٰه، وبكل رسل اللّٰه لا ترتبط بهم كأشخاص، بل بصفة أنهم رسل اللّٰه، والمبلغون عنه. . وهكذا هي علاقتنا بالأئمة والأولياء، من خلال أنهم عباد اللّٰه الذين أطاعوه بما يجب، وعبدوه كما يريد. .