7النقطة الثانية: إننا نريد - من خلال شمولية النظرة الإسلامية إلى الحياة - أن نقترب من الأبعاد العبادية التي تنفتح على الأبعاد السياسية والاجتماعية في الحج، كما نفهم ذلك من خلال كل عباداتنا؛ لنصل إلى تأكيد فكرتنا في تكامل الإسلام في كل مفرداته. . فنجد أن العبادة تلتقي بالسياسة في مفهومها الواسع، كما تطلّ على ساحة الحياة الاجتماعية. . وبذلك تدخل قلب الحياة، بدلاً من أن تنفصل عنه.
فإذا دققنا في الصلاة، في كلماتها وفي أفعالها، وفي إيحاءاتها. . وإذا درسنا الصوم فيما يثيره من أجواء نفسية، وفيما يؤكده من قوّةٍ حركية، ولاحظنا ما في الحج من معطيات ومؤثراتٍ وأجواء ونتائج. . فإننا نجد أنها تلتقي في ارتفاعها بالإنسان إلى صفاء إنسانيته، وفي توجيهه إلى ما يحقق توازن حركته الإنسانية في الحياة. . لأن سرّ المشكلة الإنسانية هو هذا الاستغراق فيما حوله من الحياة الدنيا، بعيداً عن كل هدف كبير ينطلق من مواقع القيم الخيّرة في حركة الرسالات. . إنها مسألة القضايا الكبيرة التي تأكلها أو تستنزف طاقاتها القضايا الصغيرة، التي تطوف بالإنسان في دائرة شهواته وملذاته وأطماعه الذاتية.
وكانت الفكرة الإسلامية تتحرك على أساس أن يجعل الإنسان دنياه آخرةً، وأن تكون آخرته منطلقةً من حركة مسؤوليته في بناء الدنيا على النهج الذي يحبه اللّٰه. . فلا تمثل الآخرة - في هذه النظرة - منطقة مستقلة عن الدنيا، بل الآخرة تمثل أهدف الدنيا الكبيرة التي تخضع لها حركتها الصاعدة إلى اللّٰه. .
فإذا أردت أن تفكر، كمسلم، يريد أن يمارس دوره في الدنيا. . فكِّر ما هو هدفك منها. . لا مانع من أن تنطلق معها، وتتحرك في داخلها. . وتحتوي مواقعها ومصادرها ومواردها، لكن. . فكّر لنفسك بالسؤال التالي. . ما هو هدفك منها؟
إن الآية الكريمة تقول لك:
« وابتغ فيما أتاك اللّٰهُ الدارَ الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسِن كما أحسن اللّٰه اليك ولا تبغِ الفساد في الأرض انّ اللّٰه لا يُحبّ المفسدين» 1. .
اِجعل الدار الآخرة هدفاً لكل ما أعطاك اللّٰه من علم أو من مال أو من قوّةٍ. . ولكل ما أعطاك من الحياة. .
وعش حياتك من خلال حاجاتك الجسديّة. . وأحسن إلى الآخرين، فقد أعطاك اللّٰه النموذج الأكمل للإحسان فيما أحسن اللّٰه إليك. . لتعرف كيف تحسن إلى الآخرين. . ولا تبغ الفساد في الأرض في كل المفردات التي تملكها مما تستطيع أن تستخدمه في طريق الفساد، كما تستطيع أن تستخدمه في طريق الصلاح والإصلاح. . لأن اللّٰه لا يحب المفسدين.
وهكذا نجد أن العبادة يمكن أن تكون نافذةً واسعةً تطلّ على كل ما في الدنيا من قضايا ومشاكل للحياة والإنسان، من حيث هي نافذة تتحرك في آفاق الغيب، مع اللّٰه، وفي نتائج المسؤولية في الدار الآخرة.
في إيحاءات الحجّ المختلفة:
النقطة الثالثة: إننا نستطيع - من خلال ما أثرناه في النقطة الثانية - أن نقترب من هذه الأجواء، لنفكر فيما