6وقد رأينا - في تاريخنا وفي حاضرنا - الكثيرين ممن أخذوا بالعرفان كفلسفةٍ، وكسلوكٍ، وكاتجاهٍ، قد ابتعدوا عن الحياة، وعن قضاياها وهمومها ومشاكلها وحركتها في ساحة الصراع، واستغرقوا في الفكرة الانعزالية التي تعتبر ذلك كله شأناً مادياً لا يتناسب مع الانطلاقة الروحية المجرّدة التي يعيشها العارف؛ لأنها تشغله عن اللّٰه. .
وقد لاحظنا في بعض هؤلاء، أنهم لا يدققون في قضايا الشرع فيما يمارسونه من أساليب الرياضة الروحية وفيما يفعلون، وفيما يتركون، ممّا قد يعيش الإنسان فيه الابتعاد عن التكليف الشرعي فيما يحلّ اللّٰه وفيما يحرّمه، وربما وصل ذلك بالبعض الىٰ اعتبار الشرع حالة في الظاهر لا ترفع إلى مستوى العرفان، الذي هو عمق الوعي الروحي في الباطن.
ولكننا نعرف أن «العرفان الإسلامي» قد انطلق من خلال مفاهيم القرآن، التي تلحظ في الإنسان ارتباطه باللّٰه، الذي يطلّ به على مسؤوليته في الحياة عن الحياة كلّها، وعن الإنسان كله، في المنهج الفكري الذي أقامه الإسلام للحياة، وفي الخط التشريعي الذي أراد للناس أن يسيروا عليه، وفي الأجواء العامة التي وجّههم إلى أن يعيشوا في داخلها وفي ساحاتها. . وبذلك كان يمثل الإعداد الفكري والعملي للدخول إلى ساحة الإسلام في الحياة من خلال اللّٰه.
فليست هناك خلفيّة فلسفيّة يمكن للعرفان أن ينتمي اليها، أو ينطلق منها بعيداً عن المفاهيم القرآنية الإسلامية ، التي أكدت أن يكون الإنسان المسلم إنساناً يتحرك في الحياة؛ ليكون خليفة اللّٰه في الأرض، ليبني الكون في دائرة قدرته، على النهج الذي يحب اللّٰه له أن يكون فيه، بعيداً عن كل ما يثقله؛ ليكون الإنسان الحرّ من الداخل، من أجل أن يؤكد حريته في الخارج.
- محل الصورة -
الأبعاد العبادية في انفتاحها على الأبعاد السياسية: