5على الجانب العبادي، لتجد الخطوط الأخلاقية تمتد إليها من جهة، وتنطلق منها من جهةٍ أخرى.
وهكذا لن تجد الجانب الروحي مفصولاً عن الجانب المادي، بل تجد هنا لوناً من التزاوج الواقعي والعملي، والتفاعل النظري بينهما على مستوى التصور في تركيز النظرية الإسلامية في تفسير الكون والحياة والإنسان.
إننا ندعو إلى دراسة هذه المسألة بعمقٍ؛ لنصل إلى النتيجة الحاسمة التي نخرج منها بالفكرة القائلة: إن الإسلام كيان فكري وتشريعي عملي تتغذى جوانبه تماماً كما هو الجسد الذي يتكامل ويتغذى من كل أجهزته، فلا يستطيع أيّ جهازٍ، أن يعطي الحياة الإنسانية شيئاً إلّا من خلال الطاقة التي تمدها بقية الأجهزة بالحيويّة، فيما تحمل من عناصر القوّة والحياة.
وعلى هذا الأساس، نستطيع أن ندخل إلى الواقع الإسلامي للإنسان المسلم من خلال الحالة التكاملية، لنوجّه السلوك العملي إلى مواجهة المسألة من هذا الموقع، لنتخلص من كثيرٍ من الخطط التي أثارها الكفر في وعي الأمة، وحركها الاستعمار في حياتها عندما فصل الإسلام عن الواقع، من خلال الفصل بين أجزاء الواقع ومفرداته، فجعل القضية المطروحة، هي أن هناك ديناً ودنيا، وأن للدين دائرته، وللدنيا دائرتها، فآفاق الدين هي آفاق الغيب والروح والمثال، التي تنطلق معها العبادة في أجواء الصلاة والصوم والحج والدعاء والابتهال والتصوف وغيبوبة الذات عن الواقع. أمّا آفاق الدنيا فهي آفاق الحياة العامة والخاصة في أجوائها المادية، في اجتماعياتها وذاتياتها، وسياستها واقتصادها، وحربها وسلمها، وشهواتها وملذاتها. فللدين ربّه، وللدنيا ربّها. . واللّٰه هو ربّ الدين، وقيصر هو ربّ الدنيا، فليس للّٰهأن يتدخل في صلاحيات القيصر وشؤونه وليس للقيصر أن يدخل إلى ملكوت اللّٰه وساحته. . وهكذا دخل الإسلام هذه الدائرة. . وبقيت الدوائر الأخرى تنتظر الفكر الآخر، والقوّة الأخرى التي لا مكان فيها للإسلام.
وقد نلاحظ أن عصور التخلف التقليدية استطاعت أن تهيّيء الأرضية الصالحة لمثل هذا الاتجاه في الذهنية الإسلامية، وذلك فيما لاحظناه من الأبحاث العبادية التي عاشتها التجارب الإسلامية الفكرية والفقهية التي حاولت أن تعتبر العبادات كياناً مستقلاً مفصولاً عن الجوانب الأخرى. . فنشأت عندنا شخصية الإنسان المسلم العابد الذي يستغرق في عبادته فينسى كل ماحوله، ومَن حوله. .
حتى « العرفان» الذي انطلق في الدائرة الروحية الإسلامية، كفكر وممارسةٍ من أجل أن يكون أسلوباً متقدماً في صنع الشخصية الإسلامية المتحررة من كل القيود، فتنتقل حركتها في سبيل الأهداف الكبيرة. . ليرتبط الإنسان بالحياة من خلال الحرية الداخلية المنفتحة على اللّٰه، المتحركة في الحياة من خلاله؛ ليكون إنسان الحياة، الحرّ في فكره وفي إرادته. . وفي حركة الحياة من حوله. حتى العرفان هذا، دخلت فيه الفلسفة اليونانية والهندية وغيرهما، فجعلت منه - في وعي الكثيرين في الساحة الإسلامية - فكراً منفصلاً عن الحياة بحيث يستغرق فيه الإنسان - في الأجواء الإلٰهية التي يعيش فيها - الاستغراق في هواجسه وتأملاته وابتهالاته مع اللّٰه، من دون أن ينفتح من خلال ذلك على الحياة.