9« لبيك لا شريك لك. .» لن نجيب غيرك، ولن نستمع إلى أيّ نداءٍ سواءٌ انطلق من حاكم، أو من حكومة، أو من حزب، أو من محور إقليميّ أو دوليّ. . فأنت وحدك، المحور الذي نتحرك في ساحته؛ لأن ذلك هو الذي يجعلنا ننسجم مع عقيدتنا إذا أجبناك. .
« لبيك لا شريك لك» . . وتعود الكلمة من جديد؛ لتتضاعف، ولتعمِّق المشاعر في نفس الإنسان. . ، ثم لتطلّ على الحياة كلها، لِتطلّ على كل ما في الحياة من ملوكٍ وجبابرةٍ وطغاةٍ، وما تحتويه من نِعم وثروات، فلا نجد المدّاحين الذين يمدحون هذا، ويحمدون ذاك؛ ليؤكد الإنسان في موقف الحج. . أن الملك للّٰهوحده، وأن الحمد له وحده، وأن النعمة له وحده، فكل حمدٍ مستمدٌّ من حمده، وكل نعمةٍ مستمدّةٌ من نعمته، وكل ملك فهو ظلّ لملكه، فليس هناك محمودون ممدوحون، وليس هناك منعِمون في ذاتهم، فهو وحده صاحب الحمد والملك والنعمة. . وبذلك يحسُّ الإنسان هناك - أمام اللّٰه وحده - أنه بعيدٌ عن كل أحدٍ غير اللّٰه - سبحانه وتعالى -. . ومن خلال ذلك يتأكد معنى العبودية المطلقة للّٰه. . بأن تكون عبداً بكلّك، وبفكرك، وشعورك، وضميرك. . وحركتك. . وكل خطواتك العملية في الحياة. . وفي جميع مشاريعك على كل صعيدٍ. . أن تكون الإنسان الذي يعيش العبودية للّٰه. . ؛ لتنطلق حريتك أمام العالم . . وأمام الأشياء من خلال ذلك. . وبهذا تلتقي الحرية والعبودية في عمق الإنسان. . فتتعمق حريتك بمقدار ما تتعمق عبوديتك للّٰه. . فأنت من موقع عبوديتك للّٰهتأخذ حريتك. . أما الآخرون فإنهم يمارسون عبوديتهم للناس وللشهوات وللمطامع من موقع حريتهم المطلقة أمام اللّٰه. .
ثمّ ننطلق في بعض ايحاءات الحج؛ لنصل إلى البيت الحرام، لنتساءل. . ماذا يعني البيت، وماذا يعني الطواف حوله. . هل هي الأحجار التي يتألف منها. . نقدّسها. . ؟
إنها ليست حتميّة جديدة تتخذ الأحجار الثابتة بدلاً من الأحجار المتحركة بل هي التمرد على الصنمية. .
ولكنها. . الرمز. . الرمز الذي يُراد من خلاله تربية الإنسان على طريقةٍ جديدةٍ في مواجهة حركة الإسلام في صعيد الواقع. . فكيف نفهم ذلك؟
إننا - كمسلمين - قد نصنع للّٰهبيتاً في مدننا وقُرانا. . فهذا مسجد للقبيلة، وهذا مسجدٌ للمحلة، وهذا مسجد البلد. . وتتنوع الصفات المحدودة لتدخل فيها دوائرنا العائلية والقبلية، فهذا مسجد آل فلان وذاك مسجد تلك القبيلة . . ودوائرنا القومية، فهذا مسجد العرب، وهذا مسجد العجم. . وهكذا نحاول في مساجدنا أن نحافظ على كل الحدود التي تفصلنا عن بعضنا البعض، وتبعدنا عن ساحتنا الإنسانية الواسعة؛ لنؤكد فيها عصبياتنا العائلية والإقليمية والقومية. . أو لنبقى في الدائرة الضيّقة المحدودة التي تحجب عنا رؤية الدائرة الواسعة للحياة وللإنسان، فكانت الكعبة - البيت الحرام - التي جعلها اللّٰه قياماً للناس. . كل الناس بعيداً عن كل صفاتهم اللونية والعرفية والجغرافية؛ ليكون بيتاً للّٰهفي حجم العالم. . البيت الإلهيّ العالميّ، ليشعر كل مسلم. . أنه بيته. . ورمزه ومنطلقه. . ولهذا أراد اللّٰه لهم أن يتوجهوا إليه أينما كانوا. . . «. . فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره. .» 1ولا يتوجهون إلى غيره؛ ليكون قاعدة وحدتهم، ومنطلق عالميتهم. . وموقع إنسانيتهم.