76الوليد بن المغيرة في قريش: أيّما رجل منهم وجدتموه عند طعام يشتريه فزيدوا عليه، فبقوا على ذلك ثلاث سنين حتى بلغ القوم الجهد الشديد حتّى سمعوا أصوات صبيانهم يتضاغون - أي يصيحون من الجوع من وراء الشعب -. . .
ويصبح قريش وقد سمعوا أصوات صبيان بني هاشم من الليل يتضاغون من الجوع. . . 1.
وجاء في اتحاف الورى باخبار امّ القرى:
دعا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم على كاتب الصحيفة فشُلَّت يده، ثم غدت قريش على مَنْ اَسْلَم فأوثقوهم وآذوهم، واشتد البلاءُ عليهم. . . ولما فعلت قريش ذلك انحاز رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم وسائر بني هاشم وبني المُطَّلب، - خلا أبا لهب - وبنو المطلب وولده في الشِّعْب، وخرج اللعين ابو لهب وولدُه الىٰ قريش، فظاهرهم على بني هاشم وبني المُطَّلب، وقطعوا عنهم المِيَرة والمادة، فكانوا لا يقدرون على ذلك الّا من الموسم الىٰ الموسم ولا يخرجون الّا من موسم الىٰ موسم، حتى بلغ بهم الجهد، وسمع أصوات صبيانهم من وراء الشِّعب يَتَضٰاغَوْن من الجوع. فمن قريش من سَرَّهُ ذلك ومنهم من ساءَه، ولم يكن يصل اليهم شيء الّا سِرّاً، حتى اِن المُطْعِمَ بن عَدِىّ أدخل عليهم في بعض الأيام ثلاثة أوقار من الطعام وكان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يَشكُرُ له ذلك، وكانت العير تأتي من الشام وعليها الحِنْطَة الىٰ حكيم بن حِزَام بن خُوَيْلد فيوجهها نحو الشِّعب، ثم يَضرب أدبارها فتدخل عليهم، فيأخذون ما عليها من الحنطة، وكان هشام بن عمرو بن ربيعة أوْصَلَ قريش لبني هاشم حين حُصِرُوا في الشِّعْب، أدخل عليهم في ليلة ثلاثة أحمال طعام، فعلمت بذلك قريش، فمشوا إليه فكلَّمُوه في ذلك فقال: اني غير عائد لشيء تحالفتم عليه. ثم عاد الثانية واَدخل حِملاً أو حِمْلين ، فغالظته قريش وهمّوا به، فقال ابو سفيان بن حرب: دَعُوه؛ رجلٌ وصَلَ رحمه، أما إني أحلُفُ باللّٰه لو فعلنا مثل ما فعل كان أجمل 2.
وقال في موضع آخر: . . . فلما رأى أبو طالب عملَ القوم جمع بني عبد المطلب وأمرهم أن يُدخِلوا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم شِعْبَهم، ويمنعوه ممن أراد قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم. . . 3.
فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين، واشتدّ عليهم البلاء والجَهْدُ، وقطعوا عنهم الأسواق، فلا يتركوا طعاماً يَقْدُم مكة ولا بيعاً إلا بادروهم فاشتروه، يريدون بذلك أن يُدْرِكُوا سَفْكَ دم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم وكان أبو طالب اذا أخذ النّاسُ مضاجعهم أمر رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم فاضطجع على فراشه، حتى يرى ذلك من أراد مكراً به واغتياله، فاذا نَوَّمَ الناس أمر واحداً مِنْ بنيه، أو اخوته، أو بني عمّه فاضطجع على فراش رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم وأمر رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم أن يأتي بعض فرشهم فينام عليه 4.
وقال ابن كثير في السيرة النبوية:
. . . فلما رأى أبو طالب عملَ القوم جمع بني عبد المطلب، وأمرهم أن يُدْخلوا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم شِعْبَهم وأمرهم أن يمنعوه ممن أرادوا قتله. . . وحَصْرهم إيّاهم في شِعب أبي طالب مدّة طويلة 5.
وجاء في كتاب التاريخ القويم لمكة وبيت اللّٰه الكريم:
فانحاز بنو هاشم بسبب ذلك في شعب أبي طالب، وهو المعروف اليوم «بشعب علي» ودخل معهم بنو المطلب سواء في ذلك مسلمهم وكافرهم ما عدا أبي لهب فانه كان مع قريش، فلما انفصلوا عن قريش بالشعب المذكور، جهد القوم، جهداً عظيماً وتعبوا تعباً شديداً حتى أكلوا أوراق الأشجار، لأن قريشاً شددوا الحصار عليهم، وكان ذلك في