62موضع واحد، في قصة واحدة، وذلك عندما أودع أبو الأنبياء ابراهيم عليه السلام زوجتَه هاجر في واد غير ذي زرع، وترك معها ابنهما إسماعيل عليه السلام وهو يومئذ طفل رضيع.
وقال: «ربنا إني أَسكنتُ من ذُريتي بواد غير ذي زرعٍ عند بيتكَ الُمحرّمِ، ربنا لِيُقيموا الصلاة. فاجعل أفئدةً من الناس تهوِي إليهم؛ وارزقهم منَ الثمراتِ لعلهم يَشكرون» 1.
وذهب إبراهيم خليل اللّٰه بعد ذلك إلىٰ شأنه كما أمره اللّٰه - تعالى -. وترك هذه المرأة والطفل الرضيع لوحدهما في هذا الوادي القفر بأمر اللّٰه - تعالى - فنفد ما كان لديهما من الماء وعطش الطفل وغلب عليه الظمأ وأخذت المرأة تبحث عن الماء فلم تجد له أثراً، وأخذ الطفل يصرخ ويضرب بيديه ورجليه، والأم تهرول من هنا وهناك فتصعد على الصفا تارةً تنظر إلى الأفق البعيد بحثاً عن الماء ثم تهبط، وتهرول باحثة عن الماء إلىٰ جانب جبل المروة، وتدعو اللّٰه تعالى أن يرزقهما الماء في هذا الوادي القفر، والطفل يصرخ ويبكي ويضرب بيديه ورجليه عند البيت الحرام.
ففجر اللّٰه - تعالى - الأرض ماءً تحت قدمي الطفل، فأسرعت الأم إلى الماءِ، لتروي طفلها الرضيع، ولتلملم الماء لئلا يذهب هدراً، فتقول للماء وهي تصنع له حوضاً يجمعه زم. . زم. . .
الرواية التاريخية لقصة السعي الأول:
تقول الرواية التاريخية: « إنّ اللّٰه - تعالى - أمر عبده وخليله إبراهيم أن يخرج بزوجته هاجر (أمّ إسماعيل) من الشام إلىٰ صحراء الجزيرة، حيث يقع الحرم، فلما وافى إبراهيم منطقة الحرم، حيث تقع مكة اليوم نزل فيها فوجد شجراً، فألقت هاجر كساءً كان معها تستظل تحته فلما سرّحهم إبراهيم ووضعهم، وأراد الانصراف عنهم إلى سارة، قالت له هاجر: يا إبراهيم لِمَ تدعنا في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟ فقال إبراهيم: الّذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان هو يكفيكم، ثمّ انصرف عنهم، فلمّا بلغ كدًى وهو جبل بذي طوى، التفت إليهم إبراهيم فقال:
« ربّنا إنّي أسكنتُ من ذريّتي بوادٍ غيرِ ذي زرعٍ عند بيتك المحرّمِ ربّنا لِيقيموا الصلاةَ واجعل أفئدةً منَ النّاس تهوِي إليهم وارزقهم منَ الثّمراتِ لعلّهم يشكرون» .
ثمّ مضى وبقيت هاجر، فلمّا ارتفع النهار عطش اسماعيل وطلب الماء، فقامت هاجر في الوادي في موضع المسعىٰ فنادت: هل في الوادي من أنيس؟ فغاب إسماعيل عنها فصعدت على الصفا، ولمع لها السراب في الوادي وظنّت أنّه ماء، فنزلت في بطن الوادي وسعت فلمّا بلغت المسعىٰ غاب عنها إسماعيل، ثمّ لمع لها السراب في ناحية الصفا فهبطت إلى الوادي تطلب الماء، فلمّا غاب عنها إسماعيل عادت حتّى بلغت الصفا فنظرت حتّى فعلت ذلك سبع مرّات، فلمّا كان في الشوط السابع وهي على المروة نظرت إلىٰ اسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه، فعدت حتّى جمعت حوله رملاً فإنّه كان سائلاً فزّمته بما جعلته حوله فلذلك سمّيت زمزم» .
اسرار الموقف:
إن هذا المشهد العجيب استنزل يومذاك رحمة اللّٰه تعالى، ففجر اللّٰه لهما زمزم في واد غير ذي زرع، وجعلها مصدراً ومبدأً لكثير من البركات على هذه الأرض المباركة، وجعل هذا المشهد جزءاً من أعمال الحجّ، وثبّته في