29يقل سبحانه وتعالى: «ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن» ؟
وهل استثنى موسم الحجّ من مجادلة الكفر المتحكّم في رقاب المسلمين، والفساد المستشري في بلادهم، وشياطين الإنس والجنّ بمقدّراتهم؟
هل الأمر بالدعوة إلى سبيل اللّٰه لا يشمل موسم الحجِّ الذي تطفح مناسكه بالحركة والمقاومة والمنافع؟ لم يقل بذلك مفسر وفقيه.
لم يجرؤ عالم حتى اليوم أن يقول: إنّ على المسلمين أن يتّخذوا في موسم الحجِّ موقف السّكوت والسّكينة واللامبالاة تجاه ما يجري على المسلمين من مصائب، وما يحلّ بهم من تقتيل وتشريد ونهب وانتهاك.
الحجُّ أصلاً والاحتجاج من أصل لغوي واحد، « وتَحاجّوا» تعني تجادَلوا، والِمحجاج: الذي يكثر الجدل 1، فكيف - والحالة هذه - يمرّ الحجّاج - وهم قادمون (من كلّ فجّ عميق) ليتجمّعوا على أرض الطواف حول بيت اللّٰه، وأرض رمي الشّيطان عدو اللّٰه - مرّ الكرام تجاه ما ينزل بالمسلمين من قبل قوى الشّرق والغرب، ومن دون أن ينبسوا ببنت شفة، ومن دون أن يدينوا - على الأقلّ - الغرب والشرق على جرائمهما في فلسطين المحتلّة ولبنان والبوسنة والهرسك.
كيف بمقدور أمّة - فيها ولو ذرّة من وعي وغيرة - أن تتجمّع في موسم الحجِّ، ثمّ تغمض عيونها عمّا يفعله اليهود والصهاينة في أرض فلسطين المحتلّة، وعمّا ينوون أن يفعلوه؟
كيف يمكنهم أن يسكتوا أمام مخططاتهم الرّامية إلى السيطرة على عالمنا الإسلامي من النّيل إلى الفرات؟
إنّ ما يشهده موسم الحجِّ خلال الأعوام الأخيرة إنّما هو تعبير طبيعي عن الصّحوة الّتي تصاعدت في إيران، وعمّ نورها بقاعاً مختلفة من عالمنا الإسلامي، ولا يمكن أبداً إخماد هذه الصّحوة باسم «. . . ولا جدال في الحج. . .» لأن الحجّ من مناهج الدّين، والدّين قال لنا:
« مَن أصبح ولم يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم» . نعم لا يمكن للمسلم أن ينسى كل أصول دينه وفروعه لإرضاء فئة تريد أن تحوّل الحجَّ إلى مقبرة والحجيجَ إلى أموات. لا يمكنهم؛ لأنّ مناسك الحجِّ حركة وكفاح، ولأنّ الدّين كلّه حركة توحيديّة ترفض الآلهة المزيّفة، وتقارع شياطين الجنّ والإنس.
الحجُّ نفسه جهاد، والجدال مع الكفر في موسم الحجِّ جهاد مضاعف وطاعة أخرى.
يقول الإمام فخر الدّين الرّازي في تفسير «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحجِّ» : « ولو كان الجدال في الدّين طاعة وسبيلاً إلى معرفة اللّٰه تعالى لما نُهي عنه في الحجِّ، بل على ذلك التّقدير كان الاشتغال بالجدال في الحجّ ضمّ طاعة الى طاعة، فكان أولى بالترغيب فيه. . .
فَتُحْمل الجدل المذموم على الجدل في تقرير الباطل وطلب المال والجاه، والجدال الممدوح على الجدل في تقرير الحق ودعوة الخلق إلى سبيل اللّٰه والذبّ عن دين اللّٰه تعالى» 2.
شرّع اللّٰه سبحانه وتعالى الحجَّ لتحقيق منافع سامية للأمة الإسلامية منها: