28للإسلام، ولا يخافوا شياطين الجنّ والإنس؛ لأنهم قادرون بتلاحمهم أن يهزموا أعداءهم مهما تزايدت قدرة الأعداء.
رمي الجمار يصعّد روح المقاومة والجهاد في نفوس المسلمين ليواجهوا الأعداء ويجادلوهم ويمنعوهم من كل تطاول على مقدسات المسلمين، ويكفوا أيديهم عن نهب ثروات المسلمين الماديّة والمعنويّة.
هل الحجّ الذي ينطوي على هذه المفاهيم الثائرة الملحميّة يجب أن يمرّ بهدوء دون أن يحرّك ساكناً؟
ألا ينبغي أن يكون الحج أبرز مظاهر إلقاء الرّعب في قلوب أعداء اللّٰه؟ ألا يجب أن ترتفع فيه أصوات المسلمين مندّدة بالشياطين الكبرى والوسطى والصغرى؟ وهل مثل هذا العمل من الجدال منهيٌّ عنه في الحج؟
لو كانت كل ألوان المقاومة والصمود والمجادلة محظورة في موسم الحجّ لانتفى رمي الجمار؛ لأنه لون من ألوان المقاومة ومقارعة الشيطان، ولانتفى بعد ذلك كل موقف يتّخذه المسلمون في هذا الموسم بوجه من يذلّونهم وينتهكون حرماتهم ويسرقون ما عندهم.
هؤلاء الذين يريدون أن يُبْعدوا الحج عن كل ما يزعج طواغيت الأرض، عليهم أن يمنعوا التكبير والتهليل أيضاً، لأنّ في كلمة « اللّٰه أكبر» تصغيراً لشأنهم ولشأن كل ما سوى اللّٰه، وكلمة « لا إله إلّااللّٰه» تُنزّل هؤلاء الطّغاة من عرش ألوهيّتهم، وتبعد الناس عن عبادتهم؛ لأنها دعوة إلى إخلاص العبوديّة للّٰهدون سواه.
أيّ مفسّر وأيّ فقيه من مفسّري وفقهاء المذاهب الإسلاميّة قال: إن مجادلة شياطين الأرض، وإعلان الوقوف بوجه الظالمين والطّغاة هي الجدال المنهيّ عنه في الحجّ؟ كل مظاهر ومناسك الحجّ تنبئ بأنّ هذه المناسك ينبغي أن تتحول إلى صرخة تصمّ آذان الطغاة، وإلى وهج يعمي عيون الظّالمين، وإلى حشد قوي متماسك يلقي الرّعب في قلوب أعداء اللّٰه. ولعلّ ذلك هو السبب في ضرورة التلبية الجماعية وضرورة رفع الصوت بالتلبية في موسم الحجّ.
قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم:
« أتاني جبريل فقال لي: إن اللّٰه يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحجِّ» 1.
وقال أيضاً: « أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية» 2.
وليس ذلك منحصراً في التلبية فقط، بل في كل شعارات الحجِّ، قال (عليه أفضل الصلاة والسلام) : « أمرني جبريل برفع الصوت في الإهلال، فإنه من شعائر الحجِّ» 3.
لا أدري كيف تبلغ الجرأة بالمدافعين عن مصالح القوى الكبرى لأن يعلنوا أن رفع الصّوت بكل شعار إسلامي مناف لأهداف الحج؟ ولعلّ الجرأة تبلغ بهم إلىٰ منع الهرولة في السعي بين الصّفا والمروة لأنها نوع من التّحرّك الشديد .
كيف يريد هؤلاء سلب الحجّ من مظاهر الحركة، وكلّه حركة تتبلور في طواف وسعي وإفاضة آناءَ الليل وأطراف النّهار؟
إنّ الحجَّ انقطاع عن الانشداد بالأرض والاتجاه نحو بيت اللّٰه الحرام « رجالاً» وعلى كل « ضامر» لإعلان الالتفاف حول محور دين اللّٰه، ولمقارعة كل أعداء اللّٰه من شياطين الإنس والجن.
ألم يصرّح المفسرون عند تفسير قوله تعالى: «ولا جدال في الحجّ» أن الجدال في الدّين طاعة عظيمة 4؟ ألم