27- فأما الرفث: فهو كما قيل: الجماع.
- وأما الفسوق: فهو الخروج عمّا يجب على الُمحْرم إلى الأشياء التي كانت مباحة في الحل، كالصيد والطيب والزينة باللباس الَمخيط.
- والجدال: هو ما كان يجري بين القبائل من التنازع والتفاخر في الموسم.
فبهذا يكون التناسب بين الكلمات، وإلّا حمّلت كلها على مدلولها اللغوي، فجعل الرّفث: قول الفحش، والفسوق: التنابز بالألقاب على حدّ «ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق» والجدال: المراء والخصام. فتكون هذه المناهي كلّها آداباً لسانية 1.
بعد هذه الجولة في آراء الفريقين بشأن «ولا جدال في الحجّ» نطرح هذا السؤال: هل الجدال ضد شياطين الجنّ والإنس ممنوع في حال الإحرام؟
يقول الإمام فخر الدين الرّازي في ثنايا تفسير الآية الّتي نحن بصددها:
« وأما جمهور المتكلمين فإنهم قالوا: الجدال في الدين طاعة عظيمة، واحتجّوا عليه بقوله تعالى: «ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. . .» 2، وبقوله - تعالى - حكاية عن الكفار، إنّهم قالوا لنوح عليه السلام: «قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا. . .» 3. ومعلوم أنّ ذلك الجدال ما كان إلّالتقرير أصول الدّين.
إذا ثبت هذا فنقول: « لا بد من التوفيق بين هذه النصوص (يعني النصوص التي ذكرها الرّازي) ، فنحمل الجدال المذموم على الجدل في تقرير الباطل وطلب المال والجاه، والجدال الممدوح على الجدل في تقرير الحق، ودعوة الخلق إلى سبيل اللّٰه، والذبّ عن دين اللّٰه» 4.
إن مناسك الحجِّ بأسرها طافحة بمظاهر الجدال، الجدال في تقرير الحق، ودعوة الخلق إلى سبيل اللّٰه، والذبّ عن دين اللّٰه، الجدال مع الشيطان ومخاصمته وتحدّيه. هذه المناسك العظيمة تبتدئ بهذا الموقف المتصلّب إزاء الشيطان وتنتهي به: رمي الجمار الذي يتم في المراحل الأخيرة من المناسك هو تجسيد معنى الاستعداد الدّاخلي، وللتأهّب نحو مواجهة العدو الأصلي المتمثّل بالشيطان، ومن ثمّ رميه.
الرّمْي يُبْدأ بدعاء: « اللهمّ ادْحَر عنّي الشّيطان» ، وهو تعبير عن إدانة العامل الأساسى في ارتكاب المعاصي، والوقوع في أنواع الشقاوة والتهلكة، والحاج بهذا يعلن عن عزمه على مواجهة ومجابهة ومجادلة خطط الشيطان الماكرة بكل ألوانها.
الحاج في مثل هذه الحالة يُعرب عن ذروة رفضه لكل فساد ولكل عامل فساد، ويستثمر فرصة وجوده مع سائر أبناء أمته الإسلامية ليوطّد عرى تلاحمه، وليوحّد خطاه معهم، ثمّ يرمي أعداءه (من شياطين الإنس) كما رمى رموز الشياطين المتمثّلة بالجمرات.
وهذه الظاهرة توعية للمسلمين وشحذ لهممهم ودفعهم إلى أن لا يُرْهبوا من قوى الشرق والغرب المعادية