26* قال بعضهم: معنى ذلك النهي هو المنع عن أن يجادل الُمحْرم أحداً، وهو أن تماري صاحبك حتى تغضبه، وأورد الطبري أحاديث كثيرة بهذا التعبير في كتابه 1.
* الجدال في الحجّ: السباب والمراء والخصومات 2.
* عن محمد بن كعب القرظي قال: الجدال، كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء: حجّنا أتمّ من حجّكم 3.
* عن القاسم بن محمّد أنه قال: الجدال في الحج أن يقول بعضهم: الحجّ اليوم، ويقول بعضهم: الحجّ غداً.
* قال ابن زيد في قوله: « ولا جدال في الحجّ» قال: كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون، كلّهم يدّعي أن موقفه موقف إبراهيم، فقطعه اللّٰه حين أعلم نبيّه صلى الله عليه و آله و سلم بمناسكهم 4.
* ولا جدال في الحج، خبر من اللّٰه تعالى عن استقامة وقت الحج على ميقات واحد لا يتقدّمه ولا يتأخره، وبطلان فعل النسيىء 5(ونحن أسهبنا القول في تفسير معنى النسيىء كما سبق في هذا المقال) .
واختار الطبري هذا القول من بين سائر الأقوال لبيان مدلول «الجدال في الحج» . ثم يقول: وإنما اخترنا هذا التأويل في ذلك ورأيناه بالصواب مما خالفه، لما قدّمناه من البيان آنفاً في تأويل قوله: «ولا فسوق» : انه غير جائز أن يكون اللّٰه خصّ بالنهي عنه في تلك الحال مطلق مباح في الحال التي يخالفها، وهي حال الإحلال، وذلك أن حكم ما خصّ به من ذلك حال الإحرام، وان كان سواء فيه حال الإحرام وحال الإحلال فلا وجه لخصوصه به حالاً دون حال، وقد عمّ به جميع الأحوال. وإذ كان ذلك كذلك وكان لا معنى لقول القائل في تأويل قوله: «ولا جدال في الحج» ، ان تأويله: «لا تمار صاحبك حتى تغضبه» إلا أحد المعنيين:
- إمّا أن يكون أراد: لا تماره بباطل حتى تغضبه، فذلك ما لا وجه له، لأن اللّٰه - عزّ وجلّ - قد نهى عن المراء بالباطل في كل حال، محرماً كان المماري أو محلاًّ، فلا وجه لخصوص حال الإحرام بالنهي عنه، لاستواء حال الإحرام والإحلال في نهي اللّٰه عنه.
- أو يكون أراد: لا تماره بالحق، وذلك - أيضاً - لا وجه له؛ لأن الُمحرم لو رأى رجلاً يروم فاحشة كان الواجب عليه مراءه في دفعه عنها، أو رآه يحاول ظلمه والذهاب منه بحق له قد غصَبَهَ عليه، كان عليه مراءه فيه وجداله حتى يتخلّصه منه 6.
* ويقول محمّد رشيد رضا:
« وقيل: هو المراء بالقول، وهو يكثر عادة بين الرّفقة والخدم في السّفر، لأنّ مشقّته تضيّق الأخلاق، هذا هو المشهور» 7.
كما قال البروسوي: « ولا جدال» أي لا مراء مع الخدم والمُكارين؛ لأنه يُفْضي إلى التّضاغن وزوال التأليف.
فأما الجدال على وجه النظر في أمر من أمور الدين فلا بأس به 8.
يقول محمّد رشيد رضا:
« قال الأستاذ الإمام (محمد عبده) : إن تفسير الكلمات الثلاث (أي الرفث والفسوق والجدال) ينبغي أن يكون متناسباً وبحسب حال القوم في زمن التشريع.