150وكان لهم من طبيعة منطقة المدينة الزراعية فرصة الىٰ ذلك، لأن الزراع - عادة - يحتاجون الىٰ اقتراض الأموال لحين الحصاد.
وقد وبخهم القرآن الكريم على أخذهم الربا، الذي نهاهم اللّٰه عن أخذه، فقال تعالى: «فبظُلمٍ من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيبات أحلّت لهم وبصدّهم عن سبيل اللّٰه كثيراً وأخذِهم الربا وقد نُهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليماً» 1.
ويصف الدكتور (جواد علي) ما كان عليه اليهود من ضعف وذلّة، فيقول: « ولكن اليهود - مع ما كان لهم من حصون وآطام وقرىٰ عاشوا فيها متكتلين مستقلين - لم يتمكنوا من بسط نفوذهم وسلطانهم على الأرض التي أنشأوا مستوطناتهم فيها، ولم يتمكنوا من إنشاء ممالك وحكومات يحكمها يهود، بل كانوا مستقلين في حماية سادات القبائل ورؤسائها، يؤدّون لهم إتاوة في كلّ عام مقابل حمايتهم لهم، ودفاعهم عنهم، ومنع الأعراب من التعدّي عليهم ، وقد لجأوا الىٰ عقد المحالفات معهم فكان لكل زعيم يهودي حليف من الأعراب ومن رؤساء العرب» .
وقد أشار القرآن الكريم الىٰ انضمام بعض اليهود الىٰ الأوس، وبعضهم إلى الخزرج عند القتال: «وإذ أَخذنا ميثاقكم لا تَسفكون دماءكم ولا تُخرجون أنفسَكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تَقتلون أنفسَكم وتُخرجون فريقاً منكم من ديارهم تَظاهرون عليهم بالإثم والعُدوان وإن يأتوكم أسارى تُفادوهم وهو محرم عليكم إخراجُهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاءُ من يفعل ذلك منكم إلاّ خزيٌ في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردّون الى أشدّ العذاب وما اللّٰه بغافل عمّا تعملون» 2.
فاللّٰه تعالى أخذ عهداً موثوقاً على (بني اسرائيل) ألّا يقتل بعضهم بعضاً، وألّا يخرج بعضهم بعضاً من داره، وقد أقرّوا بذلك، واعترفوا، ولكنهم بعد أخذ الميثاق عليهم، قتل بعضهم بعضاً، وأخرج بعضهم بعضاً من داره؛ وذلك أنهم كانوا إذا حصل قتل بين (الأوس والخزرج) انضمّت طائفة منهم إلى الأوس وطائفة منهم إلى الخزرج، وقاتلوا معهم. فكان يترتب على ذلك أن يقاتل اليهودُ بعضهم بعضاً، فاذا وضعت الحرب أوزارها، بذل اليهود جميعاً أموالهم، لافتداء أسراهم، الذين وقعوا في أيدي (الأوس والخزرج) ، فكان العرب يعيّرونهم ويقولون لهم: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم بأموالكم؟ . .
فكان اليهود يقولون: قد حرم علينا قتالهم ولكنّا نستحي أن نخذل حلفاءنا، وقد أُمرنا أن نفتدي أسرانا، فوبّخهم اللّٰه تعالى بقوله: «أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الىٰ أشد العذاب وما اللّٰه بغافل عمّا تعملون» 3.
لذا يتضح أن علاقة اليهود ب(الأوس والخزرج) كانت خاضعة للمنفعة الشخصية، والمكاسب المادية، فهم يعملون على إثارة الحرب بين الفريقين متىٰ وجدوا في إثارتها فائدة لهم، كما حصل في كثير من الحروب التي انهكت (الأوس والخزرج) ، فكان كلّ همّهم أن تكون لهم السيطرة المالية على المدينة، وقد استمرت علاقتهم ب (الأوس والخزرج) تسير على هذا المنوال الىٰ أن هاجر النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم إلى المدينة.
4 - التجمّع اليهودي في عصر البعثة المحمدية: