1493 - تجنب الاحتكاك بقريش التي كانت تمثل أكبر قوة اقتصادية وسياسية وتجارية عربية؛ وذلك بالابتعاد عن مكّة، وتجنب التمركز فيها، وخاصة أن بها الكعبة التي يقدّسها العرب، كأثر من آثار أبيهم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
هذا فضلاً عن أن بيئة مكّة الطبيعية لم تكن تناسب اليهود، وكان اقتصادها قائماً على الرحلات والتنقل، واليهود ليسوا من الصنف الذي يجمع الثروة بمثل هذا الطريق الشاق، ولا ممن يستريحون لأولاد إسماعيل، والمقدسات التي يقدسها العرب الأميّيون، والمسلمون فيما بعد.
ويمكن القول: إنه لو لم يكن للعرب القرشيين في جنوب الحجاز من المقام الأدبي، والنفوذ الاقتصادي، والقدرة العسكرية؛ لكان من الممكن للنفوذ اليهودي أن يمتد ويتسع.
4 - استغلال ظروف المنطقة، والصراعات للإثراء وتأمين الاستيطان. فقد استغل اليهود ما كان بين الأوس والخزرج من صراعات وحروب وثارات في الجاهلية بما يلي، على سبيل المثال:
أ - إقراض الأموال والتعامل بالربا.
ب - بيع السلاح لكلّ من الطرفين.
ج - العمل على استمرار الصراع بين الأوس والخزرج، فتنشغل القبيلتان به عن مواجهة اليهود، وفي هذا تأمين لاستيطانهم في المنطقة، علاوة على ما فيه من استنزاف لقوى العرب باستمرار، وقد بلغ مخطط اليهود لتحقيق هذا الهدف حدّ التحالف مع طرفي الصراع، فكان بنو قينقاع يحالفون الخزرج، وبنو النضير يحالفون الأوس، وهذا التحالف لم يحقق لهم ما كانوا يحرصون عليه، وهو ألّا يجتمع الأوس والخزرج على اليهود فحسب، بل حقّق لهم جانباً كبيراً من الأمن، إذ إن كل فريق من الأوس والخزرج كان حريصاً على حلفائه من اليهود 1.
3 - الأوضاع الاقتصادية لليهود:
من أهم الأعمال التي اشتغل بها اليهود التجارة، حتى صار لبعضهم فيها شهرة كبيرة ك(أبي رافع) ، و (سلام بن أبي الحقيق) الذي ينعت بتاجر أهل الحجاز. ويمكن أن يقال: إن تجارة التمر والشعير والقمح والخمر تكاد تكون وقفاً عليهم في شمال الحجاز. كذلك اشتغل اليهود بالزراعة، التي هي المهنة الرئيسية لسكان القرى منهم، وعملوا بتربية الماشية والدواجن، وفي جهات (مقنا) كانت مهنتهم صيد الأسماك، وأما نساؤهم فقد اشتغلن بنسج الأقمشة. ومن الصناعات التي كان يهود الجزيرة العربية يزاولونها، صياغة (الذهب) ، وقد اشتهر بها بنو قينقاع 2.
وكان لهم أيضاً باع في صناعة السلاح، حتى أصبح تقليداً خاصاً بهم، توارثوه منذ أيام داود عليه السلام الذي يعزى إليه الفضل في صناعة الأسلحة من معدن الحديد 3.
وقد ترتب على سيطرة اليهود على الجوانب الاقتصاديّة في المدينة وضواحيها، أن قوي نفوذهم المالي، وصاروا يتحكّمون في الأسواق تحكّماً فاحشاً، ويحتكرونها لمصلحتهم ومنفعتهم، فكرههم السواد الأعظم من الناس ، بسبب أنانيتهم واشتطاطهم في أخذ الربا، ولأنّ معظم معاملاتهم - مع غيرهم - تقوم على المراهنات، وتعاطي الربا.