113كعب قداسته، ولا يلحق غبار سياسته، يكل فرسي عن الجري فيك، ولساني عن القول بقوافيك، غير أني لا أعدم القارئ ولا أحرمه لمحةً من بهاك ولفتةً من سناك. هذه من علاه إحدى المعالي وعلى هذه فقس ما سواها
البداية:
أحداث الفتوحات مرتبط بعضها بالآخر، كلما اكتشفتَ فتحاً كلما هان عليك كشف الفتوحات الأخرى، حيث لا يمكنك أن تتحدث عن جانب دون التحدث عن جوانب أخرى. ومن هنا لا يمكننا الحديث عن فتح مكة دون الالتفات الىٰ الأسباب والأحداث التي تهيأت وهيأت موسم الفتح، والأحداث التي كانت قبل الفتح بسنة أو سنتين. وقوة قريش وأوضاعها الاقتصادية، ومكانتها بين العرب. ومكة وأثرها أو البيت وأثره في قوة قريش.
والارستقراطية القرشية. وأهمية مكة ومستقبل الدعوة.
إنّ مكة لم تغب لحظة واحدة عن قلب رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم، وكم تمني لو أتيح له الظرف ليفتحها ويجعلها قاعدته الكبرى، ولكن أنى له ذلك وقريش آخذة بالعناد، ويزيدها شرّاً بل ولوغاً في الشرّ أن مكة بعيدة عن طرق المواصلات الدولية. والآخرون من الدول العظمى لا يهمهم ما يحدث ما دام لا تضر بمصالحهم.
ويرى الامتيازيون وبحسب التعبير القرآني المترفون في قريش: أن هذه البلدة واجتهم وتجارتهم ومزرعتهم، وليس من صالحهم أن يتنازلوا عنها لمحمد أو غيره من المصلحين. فمن مصالحهم الدفاع عنها وعن أمجادها ومحاربة أي دعوة تحاول أو تفكر في السيطرة عليها.
والنبيُّ صلى الله عليه و آله و سلم لا يريد لقريش أن تنكسر، ولا يريد لمكّة أن تندثر، وإنما يريد مكّةَ ليعيد لها اشراقتها، ويريد لقريش أن تدخل في الإسلام وتعبد ربها؛ لتظهر عزتها بين العرب، ويريد للإنسانية أن تتجه اتجاهاً خالصاً نحو اللّٰه.
من هنا كان يقتنص الفرص ليلعب هذا الدور. وصبر ما بوسعه من الصبر، وتجرع المرارة عقيب المرارة حتى تفتح مكة دون حرب، وانتظر اليوم المناسب يوم تقوى دولته، وتضعف شوكة قريش لتنهزم أمامه دون قتال، وتنتهي معركة الإسلام ضد أعدائه، ويدخل الناس في دين اللّٰه أفواجاً.
وظلّ رسولُ اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم مستمراً في دعوته، جاداً بمتابعة قضيته، عاملاً غير عاطل، والإسلام يزداد رسوخاً والدين انتشاراً، وتشتد قوة المسلمين، ويبدأ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ببعث الرسائل الىٰ ملك الفرس (كسرى) وملك الروم (قيصر) يدعوهما فيها الىٰ الإسلام - أسلم تسلم - وتواصلت الغزوات المباركة والسرايا التي يقودها رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم بنفسه حتى خضعت لسلطانه واحاتُ الحجاز وصحاريه، والقبائل العربية التي أخذت تترى اليه لتعلن إسلامها بين يديه إلا قريش التي لم ترجع عن عنادها وجبروتها، ولكن رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم كان يأمل أن يأتي اليوم الذي تنضم فيه قريش الىٰ صفوف المسلمين وأن الزمن كفيل بمساعدته.
وبدأت رحى الأيام تدور دورتها، وبدأ محمد يملك العقول والقلوب وإذا بالعرب الأعداء قد تركوا عداءهم له