112دور عليّ في فتح مكة
الشيخ عفيف النابلسي
مقدمة:
هل بإمكانك كتابة التاريخ الإسلاميّ، أو الفقه الإسلاميّ، أو أي شيء في الإسلام دون عليّ عليه السلام؟ وهل باستطاعتك أن تسرد وقائع التاريخ دون المرور بعلي؟ وهل غنى السيف إلا في يده، أو طرب القلم إلا من مداده؟
وهل يُحاصَر علىّ في فتح مكة أو هوازن وحنين؟ وهل هناك شاردة أو واردة في هذا الإسلام المديد المالئ الدنيا وشاغل الناس إلا كان علي أصل وجودها أو همزة وصلها؟
فهو في المعارك ضيغمها، وللرايات قائدها، وفي الحملات فارسها المرتجى، وهو في الشجاعة أوحدها، وفي الكلمة مبدعها، وفي الليالي محييها وعابدها؛ فهو راهب الصومعة المتصوف بل المستغرق في الصوفية، وهو في المعركة الضارب بالسيفين الطاعن بالرمحين. . جمعت في صفاتك الأضداد. وهو في الحلبة لاعبها وأولها، وفي الفصاحة سحبانها، وأمّا في البلاغة فهو ابن بجدتها وقطب رحاها؛ ويكفيك منه نهج بلاغته، وسماء فصاحته، وبعد أن انقطع الوحيُ وحلّق النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم إلى جنة الخلد، هطلت عليه وحده ديمُ المعرفة، وأصبح مصدرها الوحيد - فقهاً علماً أدباً فضلاً زهداً وورعاً - فهو الاستاذ في المسجد والامام في المحراب، والخطيب على المنبر يتكلم والحقّ في لسانه، ويحارب والحقّ في سنانه - كيفما مال كان الحقُّ معه وفيه - « عليٌّ مع الحقّ والحقُّ مع علي يدور معه كيفما دار» .
وهل يمكنني بعدُ أن أتحدث عن عليّ في غزوه أو حربه أو يختصر على قضية أو واقعة أو سانحة أو قصة تاريخية أو قصيدة مديح يضوع منها الأدب أو مآثره يفوح منها طيب ذاك النسب.
وإذا كان علي شامخاً شموخ الجبال، ومجنحاً تجنّح الصقور، وعالياً كالقمر ومشرقاً كالشمس وكريماً كالريح الهبوب، وعطوفاً كالأم ورؤوفاً كالأب وصلباً كالصخر وكبيراً كالجبل، وإذا كان علي محور هذه الأمة وميزانها وصمام أمانيها، ونجمها المضيء وشمسها المشعة، وإذا كان منهجه التواضع وملبسه الاقتصاد وطعامه الجشب، وطريقته الزهاده، يتفجر العلم بين يديه وتحنو شأبيب البلاغة حواليه.
إذاً ماذا تقول في علي؟ وقد قال الكتّاب في المتنبي: إنه مالئ الدنيا وشاغل الناس، وهل المتنبي إلا نقطة من ذلك البحر الخضم أو حصاة من ذلك الجبل الأشم؟
فيا سيدي عذراً عذراً إذا جفّ القلم، وحوصر الكلم وحَبا البيان وتلعثم اللسان، فعذرنا فيك أنك من لا يُنال