111إنَّ ما يفضي اليه الجهل بالآداب السائدة في المجتمع الحجازي؛ لا يقل في آثاره السلبية، عن النتائج المترتبة على الجهل بأحكام الحجّ ومناسكه نفسها.
فلو افترضنا أن تاجراً أراد أن يبيع سلعاً لا يتجاوز ثمنها الكلّي قيمةَ ما يصرفه حاج واحد في الحجاز، لقام أولاً باستطلاع السوق، والتعرف على حاجاته وأحاط بوضع السلعة وبسبيل انتاجها، وكيفية استهلاكها وهكذا! فلماذا لا يكون حال الحجّاج حال هذا التاجر؟
إنَّ سلوك الحجاج في السنوات الأخيرة، الذي ينبغي أن يعكس مستوى وعيهم الديني، ودرجة معرفتهم بأحكام الإسلام، ومدى التزامهم باخلاقياته، كشف للأسف عن اهتمامٍ مميَّز بالسلع والبضائع، وبهذا افترق سلوكهم - الىٰ حدٍ كبير - عن منهج أئمتنا وسلوكهم، وما يتوقعونه منّا خصوصاً في سفر الحجّ!
لقد دأبت الصحف على أن تنشر أحياناً بعض مصاديق السلوكيات الخاطئة للحجاج، وتوجّه اللوم اليهم، بيد أنّي شخصياً لا أميل الىٰ لومِ هؤلاء الحجاج، بقدر ما أميل الىٰ تحميل نفسي وأمثالي مسؤوليّة التقصير عن تعليم هؤلاء.
وبعد، فإنَّ الصورة تبدو واسعة متعدّدة الجوانب والأبعاد، فبعض الحجّاج ذهب إلى الحجّ، وعاد دون أن يدرك شيئاً، بل إنَّ بعضهم يجهل - حقاً - الأماكن التي ذهب اليها، وبعضهم لا يستطيع أن يشير لك على مواقع مكّة والمدينة على الخريطة الجغرافية، فضلاً عن أن يحيط بأوضاع هاتين المدينتين قبل الإسلام، وما أصابهما من تغيرات بظهور الإسلام.
إن مقتضى كون الحجّ ركناً من أركان الإسلام، هو أن نبني ممارستنا للفريضة على قواعد رؤية ثابتة مستقرة. .
وكونه عبادة، علينا في ممارستها أن نحذر الوقوع في المحظور، فمع المحظور يصعب التكليف. وما نلاحظه في واقع الممارسة العملية هو أنّه لا تكاد تخلو سنة من السنين من ظهور صعوبات أمام الحجاج، وقد تتجاوز المسألة حدود الصعوبات الىٰ ما هو أفدح من ذلك، كما حصل بالنسبة لبعض الفجائع المرعبة التي عاصرناها!
الهوامش: