1102 - استطاعة أخلاقية: ويمكن تلخيص محتواها بالقول: ما هو السبيل لتطبيق ما أعرفه؟
إنَّ شريعةً ينطوي تُراثُها المعرفي في الأخلاق العملية على كُتبٍ من قبيل: المحجة البيضاء، وإحياء علوم الدين، ومعراج السعادة، وكيمياء السعادة، والمقامات العلية، وعشرات الكتب الأخلاقية الأخرى؛ وإنَّ ديناً أوجب على المسلمين كافة طلب العلم؛ حريٌّ أن يدفع كلّ مسلم إلى التوافر على الاستطاعة في بُعدَيْها العلمي والأخلاقي، في فترة تسبق مرحلة البلوغ والتكليف الشرعي، أو أن يُحرز على الأقل مقدمات تحصيلهما تدريجياً في فترةٍ زمنية لا تطول كثيراً. بيدَ أنَّ الذي يبعث على الأسف هو أنَّ الكثير من المسلمين لم يهتم بهذين البعدين.
فالإنسان المسلم الاعتيادي يبلغ في العادة مرحلة الاستطاعة المالية حين يتجاوز أكثر من نصف عمره، أي في عمرٍ يتعدى في الأغلب الأربعين. وحينئذٍ يبدأ بالتفكير في تعلّم أحكام الحجّ، ثم لا يقدم لذلك أكثر من ساعات معينة في أيامٍ معدودة!
إننا نعرف جميعاً أنَّ التعلّم في هذه السنّ المتأخرة يتّسم بصعوبة كبيرة، ومهما بذل السادة العلماء الذين يُرافقون قوافل الحجيج من جهد، فانَّ المسألة تبقى أقرب إلى المستحيل خصوصاً إذا أضفنا الىٰ ذلك، أنَّ المهمة لا تقتصر على تعلّم مناسك الحجّ وحدها، وإنّما يتبعها - أيضاً - تعلّم القراءة والأجزاء الأخرى في الصلاة الواجبة، وكأنَّ الصلاة أصبحت - الآن - واجبةً على أمثال هؤلاء، ولم تكن كذلك قبل إحراز الاستطاعة المالية للحج.
يجب أن نعي جيداً؛ أنَّ التجربة العملية، أثبتت صعوبة أن يتعلّم غيرِ العربي النطق بحروف العربية من مخارجها الصحيحة، حين تتصلب بشكل نهائي أوتارُ حنجرته الصوتية في السنة الخامسة عشرة فما بعد؛ لذلك تذهب هباءً جهود العلماء الأفاضل، في أن يتعلّم هذا المسلم - غير العربي - الذي مرَّ من عمره سبعون عاماً، على أداء معيّن للّغة، أداء الحروف بشكلها العربي الصحيح، بحيث ينطق - مثلاً - « أنَّ الحمد والنعمة» بصورة سليمة لا تستبدل الحاء بالهاء ولا تستبدل الضاد في « ولا الضالين» بالزاء مثلاً.
أما لو كانت مهمة تعلّم القراءة الصحيحة، والأحكام الشرعية، قد بدأت مع مرحلة البلوغ الشرعي، وترافقت وإيّاها، فمن المستبعد أن تظهر نظائر هذه المصاعب في المستقبل.
علينا أن نذعن أنَّ مدى اهتمامنا بأحكام وآداب ديننا الحنيف، هو دليل يكشف بوضوح مقدار ارتباطنا بهذا الدين، وصلتنا الحقيقية به. فما نراه من أعمال بعض الحجّاج وسلوكهم في مكّة والمدينة، يكشف بوضوح ضآلة وعيهم الديني، وسطحية ما يعرفونه من معارف دينهم، وأحكامه وآدابه. وهذه الحالة بدورها دالة على عدم اعتناء المجتمع الإسلامي بالإسلام، فيما ينطوي عليه نظامُه التشريعي من فقه وأحكام، بالإضافة إلى الجهل بنظامه الأخلاقي .
إنّ ما يبعث على الأسف أكثر، هو جهل الكثير من الحجاج بوضع البلد (الحجاز) وما تكتنف مجتمعه من تقاليد وآداب، وما تسوده من معايير وضوابط. بالإضافة إلى الجهل بالمواقع التي يجب أن تزار، والآداب الخاصة بهذه الأماكن.
أمّا أن يرتقي الوعي الىٰ مستوى الإحاطة بالوضع الاقتصادي، والموقع الجغرافي للحجاز، والحرمين الشريفين ، مقارنة بالبلدان الإسلاميّة الأخرى، فهذه لا تعدو أن تكون - بالنسبة لعامة الحجيج - سوى أمنية بعيدة المنال!