109أما لماذا توكيد السّنّة بالذات فيما تَرسمهُ من حدودٍ واضحة للمسلم؟
فذاك يعود الىٰ أنَّ تعريف المسلم في كتاب اللّٰه، وسنة رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم وأخبار أهل البيت عليهم السلام يكشف عن علاقة تلازم بين الإجمال والتفصيل.
فالمسلم في كتاب اللّٰه يحمل صفة المسلم لجهة مشاركته في الحقوق السياسية، والاجتماعية الثابتة لمجتمع المسلمين.
أما في السّنّة فهو عنوانٌ يحمِله لجهةِ ما يضطلع به من أهلية، وجدارة للارتقاء الىٰ مستوى هذه الصفة السامية، بحيث يكون إنساناً مؤمناً، تتسق شخصيته مع المواصفات التي يتحدّث بها الإمام الصادق عليه السلام للإنسان المسلم.
فمثل هذا المسلم إذا أراد أن يؤدي فريضة الحج، فإنّ عليه أن يؤديها كما تتحدّث عنها، وعن فلسفتها كُتبُ الأخلاق الإسلاميّة، وهو حينئذٍ يُمارس عملاً جهادياً، يستلزم بذل الجهد وتقديم التضحية والفداء في كلّ لحظة وآن.
وحين يتمخَّض الحجُّ عن بذلٍ وعطاءٍ، وعن ممارسةٍ جهاديةٍ واعيةٍ، يكون حجّاً واقعياً متطابقاً في معالمه مع ما ورد في سنة رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم، وفي أخبار أهل البيت، فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: « إذا أردتَ الحجَّ فجرّد قلبك للّٰه- عزّ وجلّ - من قَبل عزمك، من كلّ شاغل وحجاب حاجب، وفوّض أمورَك كُلَّها الىٰ خالقك، وتوكّل عليه في جميع ما يظهر من حركاتك وسكناتك، وسلّم لقضائه وحكمه وقدره، ودَعِ الدُنيا والراحة والخلق» 1.
وفي الموسوعة الحديثية (مستدرك الوسائل) 2حديثٌ على شكل سؤال وجواب بين الإمام علي بن الحسين السّجاد عليه السلام والشبلي، تصب دلالاته في ضرورة احراز الشروط المعنوية للمناسك، ورعايتها الىٰ جوار أداء الظواهر.
وقد يكون هناك كلام حول شخصية الشلبي وفيما إذا كان الشخصية الصوفية المعروفة التي عاشت في الفترة بين 247 ه. ق - 334 ه. ق، وبالتالي لا يمكن أن يكون هذا الشخص هو المعني؛ لتقدّم وفاة الإمام السّجاد عليه، أو أنَّ هناك شخصية أخرى عاشت في المدينة، وعاصرت الإمام زين العابدين عليه السلام دون أن تحفل بها كتب التراجم والتأريخ. . . ؛ قد يكون ثمة كلام في كلّ ذلك، بيد أنَّ ما يعنينا من الخبر هو مضمونه، الذي يؤكد حقيقة الحجّ من خلال رعاية شروطهِ المعنوية في مُوازاة الالتزام بظواهر المناسك.
مرّةً أخرى: ما معنى الاستطاعة؟
تحدّثنا في مطلع البحث عن الاستطاعة، وذكرنا أنّ معاييرها في البحث الفقهي ترتكز على إحراز القدرة المالية والبدنية اللازمتين، وضمن ما هو محدَّد في الكتب الفقهية. بيد أنَّ ما نحتاج الىٰ تحصيله قبل ذلك هو استطاعة من نوعٍ آخر لا تختصّ بزائري بيت اللّٰه، وإنما يتوجب على كلّ مسلم أن يحرزها في شخصيته ووجوده.
هذه الاستطاعة التي نعنيها تتفرع الىٰ:
1 - استطاعة علمية: ويمكن تلخيص مؤدّاها بالسؤال التالي: ماذا عليّ أن أعمل؟