156الاسلام يخطّط ويعمل؛ ليجعل العلاقة فيما بين الناس في الحياة الاجتماعية علي كل الأصعدة في جو من الأمن والسلام، لتعطي هذه العلاقة الثمرات المطلوبة منها في الحياة الاجتماعية، ويخطط الاسلام ويعمل ليجعل الحياة الاجتماعية حياة آمنة مطمئنة ليتعايش الناس فيها بسلام.
والحرم عينة صغيرة نموذجية في الحياة الآمنة والمطمئنة التي يطلبها الاسلام. . والاحرام عينة أخري نموذجية للحالة التي يطلبها الاسلام للناس في الحياة الاجتماعية، في علاقة الناس بعضهم ببعض. ويعود الحجاج من الاحرام والحرم إلي واقع حياتهم ليأخذوا معهم النموذج الإلهي للحياة وللعلاقات الاجتماعية، ويعيشوا حياتهم بها.
3- الانتقال إلي المحور الإِلهي:
وهذه هي المرحلة الثالثة، من رحلة الحج الابراهيمي.
في المرحلة الأولي يتخلص الانسان من فرديته وأنانيته وأعراض هذه الأنانية.
وفي المرحلة الثانية يصب في الحرم في الجماعة المسلمة، وينصهر في هذه الجماعة (الأمة) .
وفي المرحلة الثالثة وهي الغاية الأخيرة في هذه الرحلة تصب هذه الجماعة في المطاف حول الكعبة.
والكعبة في لغة الحج الرمزية رمز للمحورية الالهية في حياة الانسان. وإذا استطاع الانسان في المرحلة الأولي من هذه الرحلة، أن يتخلص من جاذبية محور الأنانية في حياته، فإن المحور الالهي يجذبه جذباً قوياً بطبيعة الحال.
وانجذاب الانسان إلي هذا المحور، أمر طبيعي كامن في عمق فطرة الإِنسان، والأنا هو الذي يحجز الإِنسان عن هذه الجاذبية، فإذا تحرر عن حاجز الانا فان الجاذبية الإِلهية تجذبه. والطواف بعد الإِحرام رمز لذلك. فإن الاحرام من الميقات يرمز للتحرر من الأنا. والطواف حول البيت يرمز إلي الانجذاب إلي الله تعالي، والحركة حول المحور الالهي في الحياة.
وعليه فإن حركة الطواف نقلة في حياة الانسان من الأنا إلي الله تعالي. إنه تعبير رمزي عن التوحيد في حياة الانسان المسلم، إلا أن هذا التوحيد ليس هو التوحيد النظري، الذي يعرفه الناس، وإنما هو توحيد العبودية لله، وتوحيد الحب والولاء والاهتمام، كما ترسمه الآية المباركة من سورة الأنعام: قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين (9) .
إن الطواف يرمز إلي الحركة الانسانية الدائمة والمستمرة حول هذا المحور الالهي في التاريخ، وإننا لننظر من بعيد إلي حركة التاريخ، فنري أن حركة التاريخ تجسد (التوحيد) في حياة الانسان، وأن الأنبياء (عليهم السلام) وأممهم - إلا في فترات قصيرة جدّاً - يجسدون هذه الحركة البشرية الدائمة حول محور الألوهية. ولكن عندما ندخل نحن ضمن هذه الحركة فسوف نواجه ألواناً من المضايقات والأذي والمشاكسات من الهوي في داخل أنفسنا، ومن الطاغوت في المجتمع، ومن شياطين الجن والإِنس الذين يضايقون الناس في حركتهم إلي الله.