157وحركة الطواف حول الكعبة تجسد هذا الواقع بالدقة؛ فإذا نظرت من الأعلي إلي المطاف تري حركة دائرة الجماهير الطائفين بصورة مستمرة، وكأنّ أرض المسجد الحرام تطوف بهم حول البيت في حركة منظمة وهادئة، أما إذا دخلت بنفسك في المطاف التقيت بالوجه الآخر لهذه الحركة الانسانية حول المحور الالهي، من المعاناة ومواجهة العقبات والمضايقات، وهو يختلف اختلافاً كبيراً عن الوجه الأول الهادئ والمريح.
لماذا عبر الانصهار في الجماعة؟
في هذه المرحلة نحن نفهم المنطلق والغاية في حركة الانسان بصورة دقيقة، فالمنطلق الذي ينطلق منه الانسان هو تجاوز الأنا والذات ويعبر الاحرام في الميقات عن هذا المنطلق. والغاية هي الحركة إلي الله وتوحيده - تعالي -، ويرمز الطواف إلي هذه الغاية. ولكن الانسان في الحج يصل إلي هذه الغاية عبر الانصهار في الجماعة المسلمة، ومن دون الانصار في الأمة المسلمة لا يمكن الوصول إلي هذه الغاية. .
إن التخطيط الاسلامي للحج يؤكد علي حضور الأمة المسلمة وتواجدها في موسم الحج من كل فج عميق. وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق (10) .
إن هذا الأذان والإعلان والدعوة الإِلهية العامة للحج، من قبل الله ورسوله، والاستجابة من قبل الناس من كل فج عميق، يشكل بالتأكيد بعداً هاماً من أبعاد الحج.
وعندما نستعرض آيات الحج، والكعبة والبيت، في القرآن منذ أن رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت، نجد اهتماماً كبيراً بحضور الناس في هذا البيت، وفي هذا الموسم، وابلغ ما في ذلك تعبير القرآن عن بيت الله بأنه بيت الناس إن أولَ بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدي للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً. . . (11) .
ومن عجب أن الله تعالي يخص الناس - عباده - بأول بيت وأشرف بيت ويعلن عن أنه بيت للناس ثم يدعو الناس إليه ولله علي الناس حج البيت .
وفي دعاء إبراهيم (عليه السلام) نجد أن إبراهيم خليل الرحمن، عندما أودع أهله وذريته بهذا الوادي القاحل غير ذي زرع، دعا الله تعالي أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون (12) .
وأيضاً نجد في سورة البقرة وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا (13) .
فالبيت مثابة للناس يجتمع الناس حوله، ويثوب إليه الناس، ويجتمع الناس من كل حدب وصوب، ثم إننا في سورة المائدة نقرأ جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس (14) .