146وأوضحُ منهم ما صرّح به العلامة الطباطبائي في الميزان قائلاً: "وقد اطلقت المنافع ولم تتقيد بالدنيوية أو الاخروية، والمنافع نوعان: منافع دنيوية، وهي التي تتقدم بها حياة الأنسان الاجتماعية ويصفو بها العيش، وترفع بها الحوائج المتنوعة وتكمل بها النواقص المختلفة من أنواع التجارة والسياسة والولاية والتدبير وأقسام الرسوم والآداب والسنن والعادات ومختلف التعاونات والتعاضدات الاجتماعية وغيرها " (17) .
وقد جاءت بعض الروايات عن أئمة اهل البيت (عليهم السلام) ولسانها يصرّح بذلك. فعن هشام بن الحكم قال: "سألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقلت له: ما العلة التي من أجلها كلّف الله العباد الحجّ والطواف بالبيت؟ فقال: إنّ الله خلق الخلقَ. . . إلي أن قال: وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا ولينزع كل قومٍ من التجارات من بلدٍ إلي بلدٍ. . . " (18) .
ونقل في الوسائل عن العلل وعيون الأخبار بأسانيد عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السلام) ، في حديث طويل قال: "إنما اُمروا بالحج لعلة الوفادة إلي الله عزّوجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترب العبد تائباً مما مضي، مستأنفاً لما يستقبل مع ما فيه من إخراج الأموال وتعب الأبدان والاشتغال عن الأهل والولد، وحظر النفس عن اللذات، شاخصاً في الحر والبرد، ثابتاً علي ذلك دائماً، مع الخضوع والاستكانة والتذلل. ثم قال (عليه السلام) : مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع لجميع من في شرق الأرض وغربها، ومن في البرّ والبحر، ممن يحجّ، من بين تاجرٍ وجالبٍ وبائعٍ ومشترٍ. . . " (19) .
رابعاً: جعل حركة الفرد المسلم لا تنفصل عن الأمة:
إنّ الفرد المسلم في الحج يشعر شعوراً قويّاً، ويدرك إدراكاً واضحاً أنه (فردٌ في أمة) ، عليه أن يتصرف ويتخذ المواقف انطلاقاً من هذه الصفة.
وإذا كان الاسلام قد ربّي الفرد المسلم علي مثل هذا الشعور كما هو الأمر في صلاة الجماعة، أو في الجمعة أو في العيدين، وغيرها من العبادات ذات الصفة الجماعية، فلأنه ربما لا بتأتي له مثل هذا الأمر بلحاظ أنّ بعض هذه العبادات ليست إلزامية، وبالتالي فهو يستطيع التحلل منها. ولكنّ الأمر في الحج مختلف تماماً فهو يجب أن يؤدي المناسك ضمن (الأمة) كفردٍ فيها يتحرك بحركتها، ويقف المواقف معها، ويشهد المشاعر معها، يطوف بطوافها، ويسعي معها، ويفيض معها وينحر معها، ويفعل كل أفعال الحج مع الأمة مجتمعةً.
وبذلك سيدرك الفرد المسلم أنه لا كيانَ له إلا بكيان الأمة ولا هوية لا إلا هوية الأمة المسلمة، وأنّ المسلمين ذمتهم واحدة يسعي بها أدناهم.