147ومن هنا أيضاً يتحرك المسلمون - بعد وعي تلك الحقيقة - ليعلنوا الموقف الموحد إزاء الشرك والكفر (20) وهذا ما كان يهدف إليه الحج الأكبر كما نطقت به الآية المباركة: وأذانٌ من الله ورسوله إلي الناس يوم الحجّ الأكبر أنّ اللهَ بريءٌ من المشركين ورسولُهُ. . . . التوبة/3.
وفي روايةٍ عن الامام (عليه السلام) قال: "عليكم بحج البيت فأدمنوه، فإنّ في إدمانكم الحج دفع مكاره الدنيا عنكم وأهوال يوم القيامة" (21) .
ولعل من المناسب أخيراً أن نذكَر فذلكةً في المقام تقوي ما استظهرناه وبيّناه من أهداف الحجّ ووظائفه، بعد أن استندنا في ذلك إلي ظاهر الآيات والروايات وما ذهب إليه العلماء والمفسرون العظام، فنقول:
1- لقد فرض - الله تعالي - الحج في أيامٍ معدودات معلومات، وفيها يلزم أن يكون جميع الحجيج حاضري المسجد الحرام، بدءاً من عرفة بلحاظ أن (الحج عرفة) كما ورد، إلي أيام التشريق وهي يوم الأضحي، عاشر ذي الحجة وثلاثة أيام بعده كما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) (22) وهذا ينبئ بأنّ هذه الفريضة المباركة تؤدي مناسكها بحضور الجميع. ولو كانت هذه الفريضة ليس فيها غايات اجتماعية عظيمة لترك تأديتها إلي كلّ فردٍ في أي وقتٍ يشاء. ولكن لما كان الأمرُ في (الأيام المعلومة) (23) فلذلك ليكون الحضور عاماً، ويشهدوا المنافع المطلوبة.
2- أنّ المناسك جميعاً يجب أن تؤدي بطريقةٍ واحدةٍ، وبأسلوب واحدٍ وبأوقات واحدة، وهي كلها تصبُّ في هدف صهر الفرد واخضاعه لحركة الأجتماع البشري المتوجه إلي الله تعالي، طوافاً وسعيّاً، وهتافاً (التبية) ، وحركةً ومواقف في المشاعر الحرام وهي بهذه المثابة والصورة تتحقق بها المرامي والغايات المقصودة.
عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن اُذينة قال: كتبت إلي أبي عبدالله (عليه السلام) بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العباس فجاء الجواب بإملائه: سألت عن قول الله عزّوجلّ: ولله علي الناس حجُّ البيت من استطاع إليه سبيلاً. . . آل عمران/97. يعني: به الحجّ والعمرة جميعاً لأنهما مفروضان. . ، وسألته عن قول الله عزّوجلّ: وأتموا الحجَّ والعمرة لله البقرة/196، قال يعني بتمامهما أداءهما، ، وإتقاء ما يتقي المحرم فيهما، وسألته عن قوله تعالي: الحجّ الأكبر التوبة/3 ما يعني بالحج الأكبر؟ قال: الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار، والحج الأصغر العُمرة (24) .
وجاء في الوسائل باب أنه يجب الحج علي الناس في كل عام وجوباً كفائياً: أورد محمد ين يعقوب أيضاً رواية ينتهي سندها إلي الامام موسي بن جعفر (عليه السلام) أنه قال: "إن الله عزّوجلّ فرضَ الحج علي أهل الجدة في كل عام. . . "(25) .