144وقال (عليه السلام) في خطبة أخري: "وفرضَ عليكم حجّ بيته الحرام الذي جعله قبلةً للأنام. . . وجعله سبحانه علامةً لتواضعهم لعظمته، واذعانهم لعزته. . . " (5) .
وفي مقطعٍ من خطبةِ الزهراء (عليها السلام) قالت: "وجعلَ الحجّ تشييداً للدين. . . " (6) .
وقال العلامة الطباطبائي في بيانه المنافع الدنيوية والاخروية للحج: "وعمل الحجّ بماله من المناسك يتضمن أنواع العبادات من التوجه إلي الله وترك لذائذ الحياة وشواغل العيش والسعي إليه بتحمل المشاق والطواف حول بيته والصلاة والتضحية والإِنفاق والصيام وغير ذلك. . ثم قال: إن عمل الحجّ بماله من الأركان والأجزاء يمثل دورة كاملة مما جري علي إبراهيم (عليه السلام) في مسيرة في مراحل التوحيد ونفي الشريك وإخلاص العبودية لله سبحانه" (7) .
ولعل من المناسب أن نذكر أيضاً ما استظهره الشيخ جوادي آملي من أسرار الحج قائلاً: "إنّ العبادة، أية عبادة كانت يُعتبر فيها الخلوص، قال تعالي: " ألا لله الدين الخالص"، إلا أنّ تجلي ذلك الخلوص في بعضها أظهر، وطرد الشرك في بعضها أقوي وأجلي، ومن ذلك الحجّ حيث إنّ التوحيد قد تمثّل به، وصارَ هو بأسره من البدوِ إلي الختمِ مثالاً للتوحيد وطرداً للشرك. . " (8) .
ثم لا ريب بعد ذلك أن تكون كلمة التوحيد، والإِخلاص للحق تعالي يقودهم إلي وحدة الكلمة، ووحدة الموقف، ووحدة الهدف.
ثانياً: التقريب بين المسلمين والتآلف بينهم:
إنّ الشريعة الاسلامية شريعة واقعية، بمعني انها وإن كانت تهدف إلي غايات سامية ومرامي بعيدة، وتضع الوسائل العملية لبلوغها، إلا أنها في عين الوقت تنظر إلي الواقع الحياتي بما هو عليه من تعقيد وبما ينطوي عليه من إشكالات، وبما يموج به من حقائق. ولذلك ونظراً لطبيعة الظروف الموضوعية التي تمرُّ بها الامة. فإنّ هدف الوحدة وإن كان مطلوباً فعلاً، إلا أنه تكتنف تحقيقه صعوبات جدية، وإذا كان موسم الحج (الأيام المعلومة والمعدودة) يمكن أن تخلق شعوراً عالياً بالوحدة والتوحّد إلا أنّ الناس عندما يتحللون من الاحرام، ويعودون إلي أوطانهم تبدأ العوامل الموضوعية تفعل فعلها ومن هنا كان الحجّ ناظراً إلي تحقيق هدف أقرب واقعية، وأيسر منالاً، ثم هو لا يقلُّ أهميةً وخطراً عن هدف الوحدة، وذلك هو هدف (التقريب بين المسلمين) من خلال تحقيق فهم مشترك، وتفهم واطلاع كلّ فريق بما عليه الفريق الآخر من أداءً لنفس المناسك وقيامٍ بنفس الأعمال، وانكشافٍ لما يدين به الجميع من توحيد الربّ تعالي، ونفي الشرك عنه، والشهادة للنبي الأكرم محمد بن عبدالله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بالنبوة والرسالة وتعظيمه وتبجيله، وحينئذٍ سيري كلّ فريقٍ الفريق الآخر علي حقيقته، وسيجد الجميع أنفسهم أنهم يؤدون مناسك واحدة، ويقومون بتلبيةٍ واحدة، ويتوجهون إلي قبلةٍ واحدةٍ ويفيضون إفاضةً واحدة. وسيجد المسلمون