143
الأهداف الاجتماعيّة للحجّ الإبراهيمي
تأليف: عبدالجبار شرارة
إنّ الحجّ الذي جعله الله فريضةً من أعظم الفرائض بقوله تعالي:
ولله علي الناس حِجُّ البيت من استطاع إليه سبيلاً آل عمران/97.
وأوجبها في أيامٍ معدودات معلومات. ترمي في حقيقتها وواقعها إلي أهدافٍ كبيرة، تتصل في جانبٍ أساسيٍ منها باْلأُمة المسلمة كياناً وقياماً وحضارةً. وإذا كان الجانب العبادي الصِرف في هذه الفريضة متجليّاً في المناسك المعروفة، فإنّ هذه المناسك التي تُؤدي في الحج تنبيء أيضاً بالجانب الإِجتماعي وبالأهداف العظيمة المتوخاة منها. ونستطيع أن نتبين هذه الأهداف ونحددها في ضوء ماورد في شأن الحجّ من الآيات المباركة والروايات المتضافرة، وما حُفّ به الحجّ، كما في لسان بعض الروايات، من تأكيدات وصلت إلي الحدّ الذي يقول فيه الإِمام (عليه السلام) : "لو عطل الناسُ الحجَّ لوجب علي الإِمام أن يجبرهم علي الحج. . . "(1) .
ولعل من أهم تلك الأهداف والوظائف التي يمكن أن يؤديها الحجُّ بالنسبة إلي المسلمين هي:
أولاً: إدخال الأمة المسلمة في تجربة التوحيد والوحدة، أي بصورة فعلية وليس من خلال مجرد الدعوة والحثّ علي ذلك.
وفلسفة هذا الأمر؛ أنّ الشرك الخفي يمكن أن يتسرب إلي النفوس (2) ، وأنّ دواعي الفرقة والاختلاف متوافرة دائماً، ولذا فلا بدّ من زرق الأفراد بالمضاد الحيوي، ولا بدّ من نفيٍ لتلك الدواعي. ومناسك الحج من أقوي عناصر الضد والنفي. فالإِحرام حيث الكلُّ بلباسٍ واحد، والتلبية حيث الكلُّ بنداءٍ سماوي واحدٍ "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمدَ والنعمةَ لك والملك لا شريك لك. . . " ثم السعي والطواف والأفاضة. كلّ تلك الشعائر والمناسك، تجعل الجميع في حالة عبودية واخلاص، فتلغي بصورة عملية فوارق اللون والجنس والمذهب والانتماء والمنصب، فلا خصوصية ولا شأنية ولا إمتياز إذ الكلُ علي صعيدٍ واحدٍ عبيدٌ للهِ الواحد.
وقد نبّه الإِمام علي (عليه السلام) إلي هذا المعني قائلاً: " ألا ترون أنّ الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم (ع) إلي الآخرين من هذا العالم بأحجارٍ لا تضرُّ ولا تنفع، ولا تُبصر ولاتَسمع، فجعلها بيته الحرام "الذي جعله للناس قياماً ". إلي أن قال (عليه السلام) : ثم أمَر آدم (ع) وَولدهَ أن يثنوا أعطافهم نحوه فصار ذُللاً يُهلِّلون للهِ حولَه، ويرملون علي أقدامهم شُعثاً غُبراً له قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم. . . " (4) .