114وكانت هذه السوق تقوم في العرب يومئذ مقام الجريدة الرسمية في أيامنا هذه وقد تقدم آنفاً شيء من ذلك في أمر الجوار وأخبار الحروب.
وخير ما يعطينا صورة واضحة عن عكاظ أن نعرض لأهم الأحداث التي جرت فيها، فنتمثل بوساطتها أحوال العرب في هذه السوق الكبري، في بيعهم وشرائهم وتخاصمهم وتفاخرهم وحربهم وسلمهم.
واشد ما يثير الاستغراب، هذا الشبه الكبير بين عكاظ ومعارض هذا العصر، بل إن عكاظ لأوسع مدي فيما يعرض، فإنه لا يقتصر علي مواد التجارة والصناعة بل يتعداهما إلي الأدب والشعر والحرب والسلم والعادات. . . . . فإذا أنا أفضت في وصف عكاظ وما فيها، فان ذلك إفاضة في وصف سائر أسواق العرب أيضاً. فليس فيهن سوق تساميها. وما جري في عكاظ جري قريب منه في بقية الأسواق مع مراعاة صغرها واقتصارها احياناً علي اهل ناحية واحدة، فليكن تاريخ عكاظ إذاً تاريخاً لكل اسواق العرب، وتاريخاً لكثير من عاداتهم الاجتماعية أيضاً.
الموقع الجغرافي لعكاظ:
عكاظ نخل في واد بين مكة والطائف علي مرحلتين من مكة ومرحلة من الطائف، وموقعها جنوب مكة إلي الشرق. هذا زبدة ما يستخلص من تعاريفهم المتضاربة في عكاظ (9) . وتقوم السوق في مكان منه يعرف بالأثيداء فيه مياه ونخل، وهو مستوٍ لا علم فيه ولا جبل إلا مكان من الأنصاب التي كانت لأهل الجاهلية، وبها من دماء البدن كالأرحاء العظام (10) . كانوا يطوفون حول صخور فيها، وربما كان ذلك شعيرة من شعائرهم فقد ذكروا أنهم كانوا يحجّون إليها وبالأثيداء كانت أيام الفِجار.
والظاهر أن ما يطلق عليه (عكاظ) في الأرض متسع فسيح فيه حرار وفيه أرضون مسقية ذات نخيل. ولا شك أن أرضاً اتسعت بعض اجزائها لمعارك عدة أرض فسيحة واسعة، وبذلك نفهم كيف كانت السوق تتنقل في عكاظ فلا تلازم بقعة واحدة لاتحيد عنها يميناً ولا شمالاً علي مدي السنين المتطاولة.
وهي وما جوارها ديار قيس عيلان وهوازن منهم خاصة.
معني عكاظ:
أما اشتقاق عكاظ، ولِمَ سميت بهذا الاسم؟ فقد ذهب اللغويون فيه مذاهب، قلبوا الكلمة علي معانيها المختلفة: فالقهر والحبس وردّ الفخر والتجادل والتحاج. . . . . كل هذه معان للعكظ وكلها صالحة لأن يعلل بها التسمية فيقول قوم: سميت عكاظ لأن العرب كانت تجتمع فيها فيعكظ بعضهم بعضاً في المفاخرة أي يقهره ويعركه، وقال آخرون إنها من تعكّظ القوم إذا تحبّسوا لينظروا في أمورهم، وذهب غيرهم إلي انها من التعاكظ بمعني التفاخر.