115مواعيد عكاظ:
تقوم هذه السوق في ذي القعدة، وللعلماء بعدُ خلاف في تعيين أيامها من هذا الشهر، فالمرزوقي يجعلها تبدأ من نصفه حتي آخره، وآخرون يجعلون وقتها في شوال (11) إلاّ أن الأكثرين علي أنها تبدأ من أول ذي القعدة، وتستمر حتي العشرين منه إذ تبدأ سوق مجنة فيرتحل إليها الناس وهي أقرب من مكة، فإذا أهل ذو الحجة أنقشع الناس إلي مجنة إلي ذي المجاز قرب عرفه وبقوا فيها حتي يوم التروية فيبدأ الحج.
ويمكن جمع الأقوال المتقدمة بأن عكاظ قد تحفل بالناس في شوال ويتم تقاطرهم إليها في ذي القعدة: الزمن الرسمي للسوق وحين تذهب جماعاتهم إلي مجنة في العشرين من ذي القعدة يتخلف كثير ممن لم يكن أنهي بيعه وشراءَه، فلا يخلوا السوق تماماً إلا في غرة ذي الحجة عند اقتراب الحج (12) .
وخلال هذه الأيام في عكاظ يتهيء العرب للحج ويتبايعون ويتناشدون ويتفاخرون ويتقارعون ويتنافرون ويتعاظمون.
ولم يكن هناك مجمع للعرب أحفل من عكاظ، فكانوا يضربون بكثرة اهلها المثل، وبقيت لها هذه الشهرة بعد الإِسلام، فقد جاء في الأمالي: أن عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما سئل عن قتله علياً قال: "ضربته ضربة لو كانت بأهل عكاظ لقتلهم" (13) . وكان يقوم بأمر الحكومة عامة فيها بنو تميم (14) . كانت الحكومة في الشعر للنابغة الذبياني.
ثانياً - سوق مجنة:
مجنّة موضع وقيل بلد قرب مكة علي أميال منها، تقع بمر الظهران، قرب جبل يقال له الأصفر وهو أسفل مكة علي قدر بريد منها، ميمها بالفتح وتكسر (15) . والظاهر أنها من المواطن التي لا ينساها أهل مكة لبعض جمال فيها ولأنها ذات مياه، فقد جاء في كتب السيرة: أن بلالاً لما هاجر إلي المدينة واصيب بالحمي، تشوّق إلي مكة ومواطنها وتغنّي بقوله: -
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةً
هذه السوق لكنانة وأرضها من أرض كنانة، تقوم في الشعر الأواخر من ذي القعدة ويقصدها العرب بقضهم و قضيضهم بعد أن تنقض سوق عكاظ، يتممّون فيها ما قصدوا له من تجارة وفداء وتفاخر. . . . . علي شبه التفصيل المتقدم في عكاظ، ويجلب إليها ما يجلب إلي تلك من متاع وعروض، ولم تكن الخمرة لتقل فيها شأناً عن بقية الأسواق فقد كانت تحمل إليها مِن معادنها من الشام، ومن بصري وغزة حتي صار يشيد بذكرها الشعراء، قال أبو ذؤيب الهذلي:
سلافة راح ضمنتها إداوة
مقيّرة رِدف لمؤخرة الرحل