١١٣
يسألني الباعة أين نارها
وهي معرض لكثير في عادات العرب واحوالهم الاجتماعية:
فها هنا (قس بن ساعدة) يخطب الناس، بذكر الخالق ويعظهم بمن كان قبلهم ويأمرهم بالخير (٣) . وهناك خالد بن أرطاة الكلبي تتعبه قبيلته وقد جاء لينافر جرير بن عبدالله الجبلي ومع هذا حيّه أيضاً وقد ساق كل منهما مالاً عظيماً ينافر عليه، وعرضا الحكومة علي رجالات قريش فأبوا أن يحكموا خوف الفتنة بين الحييّن، فالرجلان في عكاظ ينتظران الأقرع بن حابس ليقوم بهذه الحكومة وقد ساق الرهَن فوضعوها عند عتبة بن ربيعة (۴) دون جميع من شهد علي ذلك المشهد، وها هنا عمر بن الخطاب في الجاهلية يصارع (۵) ، وثمة كاهن وعراف وعائف وقائف، وقرد، وغنم، وصحيفة وكاتب. وهناك أناس من غواة الشهرة: هذا يمد رجله وينشد شعراً ويقول: "من كان أعز العرب فليقطع رجلي" وآخر يأتي عكاظ ببناته ترويجاً لزواجهن، وأناس قدموها ليختاروا من يتزوجون إليه. .
قال المرزوقي:
"كان في عكاظ أشياء ليست في أسواق العرب: كان الملك من ملوك اليمن يبعث بالسيف الجيّد، والحلّة الحسنة، والركوب الفاره، فيقف بها وينادي عليه: "ليأخذه أعز العرب" يرد بذلك معرفة الشريف والسيد فيأمره بالوفادة عليه ويحسن صلته وجائزته".
وكان كسري يبعث في ذلك الزمان بالسيف القاطع والفرس الرائع والحلة الفاخرة فتعرض في تلك السوق وينادي مناديه: "إن هذا بعثه الملك إلي سيد العرب" فلا يأخذه إلا من أذعنت له العرب جميعاً بالسؤدد فكان آخر من أخذه بعكاظ حرب بن أمية، وكان كسري يريد بذلك معرفة ساداتهم ليعتمد عليهم في أمور العرب فيكونوا عوناً له علي اعزاز ملكه وحمايته من العرب. . . . " (۶) .
وهي ندوة سياسية عامة، تقضي فيها أُمور كثيرة بين القبائل: فمن كانت له إتاوة علي قبيلة تزل عكاظ فجاءُوه بها، ومن أراد تخليد نصر لحيه فعل فعل عمرو بن كلثوم فرحل إلي عكاظ وخلده فيها شعراً. ومن أراد إجارة أحد هتف بذلك في عكاظ؛ حتي يسمع الناس عامة ومن أراد اعلان الحرب علي قوم أعلنه في عكاظ، حتي (جميعة الأمم) أو (هيئة الأمم المتحدة) وما قامتا به من مجهود (رسمي) في سبيل السلم الخاص، كان لها صورة مصغرة تشبهها بحسب الظاهر (لا في الحقيقة، لأن عكاظ لم تكن ترائي فتستغل الدعاية الشريفة لتسيغ للقوي أكل الضعيف) ، فقد روي الأصفهاني أنه: "اجتمع ناس من العرب بعكاظ منهم قرة بن هبيرة القشيري والمخيّل وهو في جوار قرة، في سنين تتابعت علي الناس فتواعدوا وتوافقوا ألا يتفاوروا حتي يخصب الناس! ". (٧) ولا يخفي علينا أنه كانت تكون في عكاظ "وقائع مرة بعد مرة " (٨) .