11
الموقع الإعرابي لكلمتي ((مباركاً)) و ((هدي)) :
انَّ مباركاً و هديً إما ان تكون منصوبة علي الحال، وهي متعلقة ببكة فيكون المعني؛ انَّ البيت في حال البركة والهداية. وإمّا ان تكون ((حالاً)) للضمير ((وضع)) فيكون المعني: ((وضع مباركاً وهدي)) أو ((للناس مباركاً وهديً)) أو للذي ببكة مباركاً وهدي.
وما يعنينا التأكيد عليه انَّ جميع هذه الاحتمالات نافذة قابلة للتطبيق، لانَّ الكعبة منار هداية لجميع الناس، بحيث يستطيع البشر كافة ان ينالوا قسطاً من هداية الكعبة وبركاتها.
مواقع استعمال ((الاولية)) في القرآن:
لقد استعمل القرآن الكريم مصطلح ((الاولية)) في مواطن كثيرة تدل علي النسبة بيد انَّ الاستخدام لهذه اللفظة في قوله: تعالي: اول بيت وضع للناس هو استعمال نفسيّ.
أما في قوله تعالي من سورة التوبة لا تقم فيه ابداً5 حكاية عن نهي النبي من الاقامة في مسجد ضرار وحثه في المقابل للاقامة في مسجد قبا حيث يصفه سبحانه بقوله: لمسجد أُسّس علي التقوي من اوّل يوم احق ان تقوم فيه6 فانَّ استعمال اول يوم في الآية يكون نسبياً لا نفسياً، والمعني: أنَّ المسجد أُسس يوم بُني، علي التقوي.
ولقد ذكر الشيخ الطوسي (رحمه الله) عند تفسير الآية: ((أول الشيء ابتداؤه، ويجوز ان يكون المبتدأ لهُ آخر، ويجوز ان لا يكون له آخر، لانّ الواحد أول العدد، ولا نهاية لآخره، ونعيم اهل الجنة لَهُ اول ولا آخر له، فعلي هذا انما كان اول بيت، لانه لم يكن قبله بيت يحج اليه)) 7.
وقد ذهب مفسرّون آخرون8 إلي أنَّ الاول لا يستلزم دائماً وبالضرورة ان يكون لَهُ ثانٍ، فقد يقول المرء: هذا سفري الاول الي بيت الله الحرام، دون ان يستلزم كلامه ضرورة ان يوفق لحج البيت مرةً اخري. وعلي هذا يكون معني الأولية هنا، انّه لم يكن قبله شيء. وعليه؛ حين يقال أول بيت، فلا يستلزم القول ان يكون ثمة بيت ثانٍ وهكذا.
وهذا الكلام لا يتعارض مع وجود بيوت اخري للعبادة، تكون ثانية وثالثة وهكذا؛ من زاوية: في بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه 9 بيد أنَّ وجود هذه البيوت لا يكون في مقابل وجود الكعبة. وكلام الشيخ الطوسي وان كان صحيحاً في نفسه، الاّ ان مصداقه غير صحيح. فما يقوله من ان تنعم اهل الجنة له اول ولا آخر له لا يصح، رغم انَّ لهذا النعيم أولاً. ووجه عدم الصحة ان هذه النعم بنفسها لا أول لها ولا آخر، فالجنة موجودة الآن - لا أنها تخلق بعد الدنيا - ونعمها دائمة ثابتة دون انقطاع، خصوصاً تلك الجنة التي يقول عنها تعالي: عِندَ مليك مقتدر 10.
الأولية بالذات وبالغير:
انَّ الاولية بالذات تختص بالله سبحانه ف- ((هو الأول والآخر)) 11. وفيوضاته غير محدودة اذ ((وَكلّ مَنّه قديم)) وهو ((دائم الفضل)) لا أوّل لها ولا آخر، لكنه أول بالعرض لا بالذات فانَّ بدايته ترتبط ب- ((هو الاول)) ونهايته ب- ((هوالآخر)) وذلك خلافاً لذات الله تعالي التي لا أول ولا آخر لها، وانما هو سبحانه بالذات، الاول والآخر.
الكعبة أول معبد:
انَّ الآية الكريمة تدل علي انَّ الكعبة هي اول معبد بني علي سطح الارض. أما ان تكون دلالة الآية علي أنَّ الكعبة كانت اول بيت بني للسكن، فهو امر مستعبد، ومثل هذا الاستنباط محفوف بالمشكلات خصوصاً وانَّ الاولية مقيّده بكون الكعبة بنيت ((مسجداً)) .