10
الحجّ في القرآن
تأليف: عبداالله جوادي آملي
يقول تعالي
: إنّ اوّل بيتٍ وضع للناس للذي ببكّة مباركاً وهدي للعالمين * فيه آيات بينات مقام ابراهيم ومَن دخله كان آمناً ولله علي الناس حجّ البيت من استطاع اليه سبيلاً ومن كفر فانَّ الله غني عن العالمين1.
صلة الآية بما سبقها:
لقد سُبقت الآية اكريمة الآنفة بقوله تعالي: فاتّبعوا ملّة ابراهيم حنيفاً وما كان من المشركين2 ثم جاء قوله تعالي: انّ اول بيت وُضع للناس. . . والذي يدلنا علي هذا الترتيب انّ خطاب الآية ينصرف الي الييهود الذين كانوا يزعمون انهم علي دين إبراهيم الخليل، فجاء القرآن يحاججهم: لو أنكم علي ملة إبراهيم الخليل فعلاً وحقاً، إذاً لعظمتم البناء الإبراهيمي، واتخذتموه قبلةً ومطافاً.
شبهة اهل الكتاب:
نستفيد من ظاهر الآية ايضاً انها جاءت ناظرة لشبهة كان يُلقي بها اهل الكتاب علي المسلمين، ومفاد الشبهة:
أولاً: لا مجال للباطل ان ينفذ الي دين ابراهيم الخليل ( عليه السلام) . لذلك لا يصح القول بالنسخ الذي يذهب اليه المسلمون واتخذوا بمقتضاه الكعبة قبلة بدلاً من بيت المقدس.
فبيت المقدس لا زال - في زعم اهل االكتاب - هو قبلة المسلمين التي يجب ان يتولّوها كما كانوا يتولونها فعلاً قبل الهجرة الي المدينة، وإنّ تحوّلهم عنه الي الكعبة بذريعة النسخ لا يعدو أن يكون ضرباً من الوهم والخيال، لان النسخ لا يجوز في حكم الله!
ثانياً: لقد اتيتم باطلاً في قولكم: إنَّ هذا السلوك هو من دين ابراهيم؛ وفي زعمكم انَّ ابراهيم ( عليه السلام) كان مسلماً وانكم مُتّبِعوُه. فانتم اذاً اجترحتم الباطل مرتين؛ مرَّة حين قلتم بالنسخ؛ ومرَّة حين نسبتم تصرفكم في تحويل القبلة إلي ابراهيم وقلتم انكم تبعٌ له في ذلك!
معالجة شبهة أهل الكتاب:
إنَّ اول ما يمكن ان يقال في جواب الشبهة: انَّ النسخ جائز وليس ثمة ما يدل علي استحالة.
ثم انَّ الحكم الاصلي للقبلة كانَ يختص بالكعبة، يقول تعالي: إنَّ أول بيت وضع للناس للذي ببكة. . . فابراهيم ( عليه السلام) كان قد اضطلع بمهمة بناء الكعبة ورفع قواعدها واتخاذها قبلة ومطافاً قبل أن يقوم سليمان ( عليه السلام) ببناء بيت المقدس في فلسطين.
لذا فانَّ رجوع المسلمين الي الكعبة قبلةً وترك بيت المقدس، إنما هو عودٌ الي السيرة الابراهيمية ورجوع الي القبلة الأُلي التي تولاّها ابراهيم ومن اقتفي اثره من انبياء الله.
هذه الحقيقة يحدثنا بها القرآن حين يعرض سبحانه الي سيرة ابراهيم. فابراهيم ( عليه السلام) حين ترك ابنه وزوجته في ارض مكة القفرة دعا ربّه: ربنا إني اسكنت من ذرّيتي بوادٍ غير ذي زرع عِندَ بيتك المحرّم. . . 3 ثم ابان ( عليه السلام) مُراده من ذلك بقوله: ربَّنا ليقيموا الصلاة 4 فالقصد اذاً هو اقامة الصلاة في اشرف بقعة من بقاع الارض، أي ان افضل ذرية اُمرت ان تقيم الصلاة في اعظم ارض.