190وبذا، يكون علي بك ثاني رحالة أجنبي يقدّم للغرب وصفاً عن مكّة المكرّمة، بعد «جوزيف بيتز» (الذي تحدّثنا عنه بشيء من التفصيل في العدد الماضي) في كتابه الذي وضعه في أواخر القرن السابع عشر، تحت عنوان «وصف أمين لديانة وأخلاق المحمديين» . إلّاأنّ سرد علي بك أكثر دقةً وشمولاً، فهو يصف المدينة والحرم الشريف بصورة شاملة، ويقدّم التخطيطات والرسومات، ويتناول أوضاع الأهالي، والظروف السياسية والتجارية، والأسواق والبضائع، والمباني، والفنون، والعلوم، والحيوانات والزراعة. . والأهم من كلّ ذلك أنّه كان أوّل من حدّد موقع المدينة الحقيقي (14) .
شريف مكّة. . كما يراه علي بك
اجتمع علي بك بالشريف غالب. فقال: إنّه في العقد الرابع من العمر، ووصفه بأنّه كان أنانياً غير متعلّم (15) وأنّه على جهله ذو حصافة ودهاء. رآه لأول مرّة في مجلسه وهو يدخن النارجيلة التي كانت محجوبة خوفاً من الوهابيين. فلم ير السائح الأوروپي غير النرپج الذي كان يتصل من خرق في الحائط بالنارجيلة وراءه في الغرفة المجاورة للمجلس (16) .
ويمضي «علي بك» في نقل انطباعاته عن شريف مكة، زاعماً أنّ الانگليز كانوا يعتبرونه أحسن صديق لهم، ولذلك كانوا يشجعون التجارة مع الهند بواسطته، كما يقول: إنّ الشريف كان يبعث بسفنه لتتاجر مع مخا ومسقط وصوراة، وأنّه كان يدّعي بعائدية مصوع وجزيرة سواكن له، مع أنّهما كانا يخضعان للسلطان بصورة اسمية (17) .
وعن بعض مهمّات الشريف غالب يذكر «علي بك» قائلاً: «دخل شريف مكة وسلطانها محمولاً على أكتاف بعض أتباعه، ورؤوس البعض الآخر تحيط به شيوخ القبائل. وقد حاول بعض الزوّار اللحاق بهم، ولكن الحرّاس - وهم من