189وضع سجادته المخصصة لصلاته خلف سجادة الإمام مباشرة. وقد وصل علي بك إلى مكّة وهناك استقبله شريف مكة. وإذا كان هناك مجال للتساؤل حول عبقريته فقد زالت هذه الشكوك الآن. إذ إنّ «علي بك» كان يجيد اللغة الفرنسية والأسبانية والايطالية، ولكنّه كان حريصاً على تكلّم اللغة العربية بطلاقة وسهولة أزالت كلّ الشكوك حول أصله ومحتده. ولو كان هناك أدنى شك في هذه القضية، لكان المسوؤل عن بئر زمزم، والذي كان يقدّم ذلك الماء المقدّس للأشراف والنبلاء ويدس السم - على حدّ زعم برينث - لمن تحوم حولهم الشكوك، لكان هذا قد نفّذ فعلته بالنسبة لعلي بك.
دخل «علي بك» مكّة متحديّاً العادات والتقاليد، فقد كان راكباً بعيره، وقد سُمح له بذلك لإصابته أثناء الرحلة. وعند دخوله مكّة اتّجه إلى الكعبة مع بقيّة الحجّاج مباشرة، وكان اثنان من خدمه يدعمانه ويساعدانه على السير والطواف.
ويقول «علي بك» في مذكّراته: «إنّ الخدم الذين أحاطوا بي داخل الرواق المعمد الممتد على مدى البصر، وساحة (المعبد) الهائلة، وبيت اللّٰه المغطّىٰ من قمّته لأسفله بالقماش الأسود، والمحاط بحلقة من المصابيح، وتأخّر الوقت وسكون الليل، ومرشدنا الذي كان يتفوّه بكلمات كما لو أنّه يتلو شيئاً قد اُوحي إليه، كلّ هذه الأشياء قد شكّلت صورة مؤثّرة لا يمكن أن تنمحي من ذاكرتي أبداً» .
وعلى الرغم من هذا التأثّر، إلّاأنّ «علي بك» كان يتوخّى الدقّة في أوصافه طيلة مدّة إقامته. فهو يصف بالتفصيل الأروقة المعمدة والقباب والمآذن في المسجد العظيم، ويخبرنا عن الأماكن المبلّطة والأماكن ذات الأرض الرملية. ويميّز الأمكنة التي تخصّ أتباع كلّ مذهب من المذاهب، فالمالكية هنا، والحنفية هناك، والشافعية من جهة، والحنابلة وهم مؤسسو المذهب الوهابي من جهة اُخرى. وقد سُمح لعلي بك بصفته من الزوّار ذوي الأهمّية بالاشتراك في غسل الكعبة، وهكذا فإنّ علي بك هو أوّل زائر عُرف عنه أنّه قام بمثل هذا العمل (13) .