127مكّة، يوم الأحد، سلخ جمادى الآخرة. وكان فيها خلقٌ كثير جاؤوا من نواحي الحجاز واليمن؛ ليحضروا العمرة في أول رجب. وهو موسم عظيم وكذلك ليحضروا عيد الفطر، ويأتوا عند موسم الحج. ولأن مسيرهم قريب وسهل فهم يأتون ثلاث مرات كلّ عام.
وصف مدينة مكّة - شرّفها اللّٰه تعالىٰ -:
تحيط بمدينة مكّة الجبال العالية من كل جانب، وإذا توجهنا إليها من أي جهة كانت، لا نراها حتىٰ نصل إليها، وأعلى الجبال القريبة منها هو جبل «أبو قبيس» ، وهو يبدو كقبّة مدوّرة، إذا اُطلق سهمٌ من قاعدته وصل إلىٰ قمّته. ويقع علىٰ مشرق المدينة، فإذا كنا في شهر دى (هذا الشهر وباقي الشهور الأخرىٰ المذكورة في هذه الرحلة هي من الشهور الهجرية الشمسية) في المسجد الحرام، أشرقت الشمس من فوقه، وعلىٰ قمته ميلٌ من حجر منتصب، يقال: إن إبراهيم عليه السلام نصبه. والعرصة التي أمام الجبل تشكّل موقع المدينة، وهي علىٰ مرمىٰ سهمين ليس إلّا، ويقع المسجد الحرام وسط هذه العرصة. وتحيط المدينة بالمسجد الحرام من كلّ صوب بأزقّتها وأسواقها.
وكلّ شَقّ في داخل الجبل يشكّل باباً، وقد بني له جدار وقلعة، وعليها بوابة.
ولا يوجد في المدينة أي شجرة سوىٰ واحدة علىٰ باب المسجد الحرام، تقع بجهة المغرب. وبجهة المشرق من المسجد يوجد سوق كبير يمتدّ من الجنوب إلى الشمال. ويعلو جبل أبو قبيس على الطرف الجنوبي للسوق. وتقع عند قاعدة أبو قبيس (الصفا) ، وقد جعلوا في قاعدة الجبل مدرجات كبيرة، بحيث صُفَّت أحجارها بالتسلسل؛ ليقف الناس علىٰ أعتابها ويشتغلوا بالدعاء. وفي نهاية السوق، من جهة الشمال جبل (مروة) وهو عالٍ قليلاً في وسط المدينة، وقد بنوا منازل كثيرة عليه، فيسعى الناس في السوق من أقصاه إلىٰ أقصاه، وما يُقال عن الصفا والمروة هو هذا.