7ومثله العصمة، فإذا بلغ الإنسان درجة قصوى من التقوى، وصارت تلك الحالة راسخة في نفسه، يصل الإنسان إلى حدّ لا يُرى في حياته أثرٌ من العصيان والطغيان، والتمرّد والتجرّي، وتصير ساحته نقية عن المعصية.
وأمّا أنّ الإنسان كيف يصل إلى هذا المقام؟ وما هو العامل الذي يمكّنه من هذه الحالة؟ فهو بحث آخر لا يسع المقال لبيانه.
فإذا كانت العصمة من سنخ التقوى والدرجة العليا منها، يسهل لك تقسيمها إلى العصمة المطلقة والعصمة النسبية.
فإنّ العصمة المطلقة وإن كانت تختصّ بطبقة خاصة من الناس، لكن العصمة النسبية تعمّ كثيراً من الناس من غير فرق بين أولياء الله وغيرهم، لأنّ الإنسان الشريف الذي لا يقل وجوده في أوساطنا وإن كان يقترف بعض المعاصي، لكنّه يجتنب عن بعضها اجتناباً تامّاً بحيث يتجنّب حتى التفكير بها فضلاً عن الإتيان بها.
مثلاً الإنسان الشريف لا يتجوّل عارياً في الشوارع والطرقات مهما بلغ تحريض الآخرين له على ذلك الفعل، كما أنّ كثيراً من الناس لا يقومون بقتل الأبرياء ولا بقتل أنفسهم وإن عُرضت عليهم مكافآت مادية كبيرة، فإنّ الحوافز الداعية إلى هذه الأفعال المنكرة غير موجودة في نفوسهم، أو أنّها محكومة ومردودة بالتقوى التي تحلّوا بها، ولأجل ذلك صاروا بمعزل عن تلك الأفعال القبيحة حتى أنّهم لا يفكّرون فيها ولا يحدّثون بها أنفسهم أبداً.
والعصمة النسبية التي تعرفت عليها تُقرِّب حقيقة العصمة المطلقة في أذهاننا، فلو بلغت تلك الحالة النفسانية الرادعة في الإنسان مبلغاً كبيراً ومرحلة شديدة بحيث تمنعه من اقتراف جميع القبائح، يصير معصوماً مطلقاً، كما أنّ الإنسان في القسم الأوّل صار معصوماً نسبياً.