8وعلى الجملة: إذا كانت حوافز الطغيان والعصيان والبواعث على المخالفة محكومة عند الإنسان، منفورة لديه لأجل الحالة الراسخة، يصير الإنسان معصوماً تامّاً منزّهاً عن كلّ عيب وشين.
** *
2. العصمة: نتيجة العلم القطعي بعواقب المعاصي
قد تعرّفت على النظريّة الأُولى في حقيقة العصمة، وأنّها عبارة عن الدرجة العليا من التقوى، غير أنّ هناك نظرية أخرى في حقيقتها، لا تنافي النظرية الأُولى، بل ربّما تعدّ من علل تحقّق الدرجة العليا من التقوى التي عرّفنا العصمة بها، ولتكوّنها في النفس، وحقيقة هذه النظرية عبارة عن «وجود العلم القطعي اليقيني بعواقب المعاصي والآثام» لا يُغلب ولا يدخله شكّ، ولا يعتريه ريب، وهو أن يبلغ علم الإنسان درجة يلمس في هذه النشأة لوازم الأعمال وآثارها في النشأة الأُخرى وتبعاتها فيها، ويصير على حد يدرك بل يرى درجات أهل الجنة ودركات أهل النار، وهذا العلم القطعي هو الذي يزيل الحجب بين الإنسان وتوابع الأعمال، ويصير الإنسان مصداقاً لقوله سبحانه: ( كَلاّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم) ؛ 1وصاحب هذا العلم هو الذي يصفه الإمام علي (ع) بقوله: «فهم والجنة كمن قد رآها، فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذّبون» . 2
فإذا بلغ العلم إلى هذه الدرجة من الكشف يصد الإنسان عن الاقتراب من المعاصي واقتراف المآثم، بل لا يجول حولها فكره.
ولتوضيح تأثير هذا العلم في صيرورة الإنسان معصوماً من اقتراف الذنب