58يضاف إلى ذلك أنّ الآية - لو سلّمنا بها- خاصّة بمكّة؛ لأنّها هي التي تمّ إخراج المسلمين منها، كما أنّها خاصّة بالمشركين من عبدة الأوثان؛ لأنّهم هم القدر المؤكّد؛ حيث لم يشارك أهل الكتاب في إخراج المسلمين من مكّة، ولا أهل سائر الديانات الأخرى.
والنتيجة: إنّ الظاهر من الآية كونها وردت - على حدّ تعبير ابن كثير (774ه-) - مورد القصاص والردّ بالمثل؛ فإنّ هؤلاء القوم أخرجوكم لحوالي عقد من الزمن من بلدكم ظلماً وعدواناً، فيجب أن يعاقبوا بالإخراج، وليس هذا اللسان لسان قانون يمنع دخول أيّ مشرك مطلقاً أرض الحجاز إلى يوم القيامة.
من هذا كلّه، يظهر أنّ ما ذكره بعض الباحثين من أنّ المشرك لا تؤخذ منه الجزية، ولا يقبل منه غير الإسلام، وهذا يعني عدم جواز استيطانه بلاد الإسلام، 1فضلاً عن استيطانه جزيرة العرب، غير صحيح؛ لأنّه من أخذ اللوازم بطريقة غير عرفية ولا قانونية، فلو كان هذا الحكم يتضمّن عدم استيطانهم بوصفه حكماً ثابتاً، كان معنى ذلك أنه لو ارتفع حكم القتل - ولو لعنوان ثانوي كالعهد والأمان و. . - منعوا من استيطان العالم الإسلامي! ! بل إنّ حكم القتل حكمٌ مستقلّ قائم بنفسه على تقدير الأخذ بإطلاقه، نعم عدم الاستيطان لازم خارجي لواقع القتل؛ لفرض موته، مع أنه لا يشمل جثته كي لا يجوز دفنها في بلاد الإسلام، أو في جزيرة العرب كما ذكره بعضهم؛ لعدم وجود معنى لشمول دليل القتل لقتل الجثة مثلاً.
وعليه، فالاعتماد على مستند قرآني مفترَض؛ لإثبات وجوب إخراج الكفار من الجزيرة العربية، غير دقيق.
2- استدعاءات شرافة الموضع
الدليل الثاني الذي ذكروه هنا هو أنّ جزيرة العرب تعدّ من المواقع الشريفة من جهة كونها منزلاً ومركزاً للعرب الذين كان منهم