59رسول الله (ص) وحيثية الشرف المتضمّنة فيها تستدعي عدم السماح بدخول غير المسلم إليها، مما يفرض حرمانه من ذلك. 1غير أن هذا الكلام لا يعدو أن يكون محاولة لتقريب الحكم إلى الذهن من حيث حكمته، وإلاّ فإنه لا يمثّل في حدّ ذاته أية قاطعية؛ إذ إنّ محض الشرفية لو استدعى هذا الحكم هنا، لكان يستدعي نماذج مشابهة لا يصح الالتزام بها؛ فمثلاً: هل يلتزم القائل به بحرمة إدخالهم أو دخولهم الكوفة والنجف والقدس ومشهد وباقي المناطق بما يؤدّي إلى توسعة الحكم لأكثر من ذلك، مما هو غير ثابت في الشريعة، بملاحظة أنه لو كان لبان، بل قد بان عدمه؟ !
على أنّ تشرّف بقعةٍ معينة كيف عرفنا أنه يوجب حرمة دخول الكافرين إليها؟ وما هو المبرّر المنطقي الذي جعلنا نقفز إلى هذا الحكم على أساسه؟ ! كما أنّ القضية من جهة أخرى قابلة وفق منطق هذا الاستدلال للتوسعة، من قبيل حرمة دخول الفاسقين المتهتكين ولو كانوا من المسلمين وشبه ذلك، مما لا يظنّ بالالتزام به؛ لقيام الشواهد التاريخية على عكسه.
والذي يبدو أنّ المستدل كأنه استوحى من استيطانهم تلك البلاد ما يفيد هتك حرمتها أو إضعاف عزّتها أو أصالتها وأشباه ذلك، مما يلقي بظلاله على نفس الظاهرة الإسلامية والمجتمع الإسلامي بصورة سلبية، لما تمثله جغرافيا الحجاز من ارتباط وثيق بالتراث الإسلامي، ومن هذه الجهة قد يتمّ التوافق معه متى أحرزنا صغرى هذه المعادلة ومصداقها، الأمر الذي لا يملك وجهاً واضحاً إلاّ في بعض الحالات التي ربما نصنّفها في حساب الحال النادر.
3- مستند الإجماع في نظرية التحريم
استند بعض الفقهاء هنا إلى الإجماع، 2فضلاً عن الشهرة المؤكّدة في عدّة كلماتٍ لهم. 3