40إنّ الأكل السيّء، والتخمة، والاستئناس، والمؤانسة، ومجالس الأنس في الفنادق، ومنازل المسافرين. . . ذلك كلّه مانع عن الإحساس بلذة المناجاة والزيارة في المدينة المنورة، ففي الرواية أنه أتى أبوحجيفة النبي (ص) وهو يتجش، فقال (ص) : «اُكفف جشاءك، فإنّ أكثر الناس في الدنيا شَبْعاً أكثرهم جوعاً يوم القيامة» . 1لابد من الالتفات إلى أنّ الباب والحائط وأمثالهما ليست حاجباً أو مانعاً عن الحضور، وإلاّ لم يقل الزائر: «أللهم إني. . . أعلم أنّ رسولك وخلفاءك (عليهم السلام) أحياء عندك يرزقون، يرون مقامي ويسمعون كلامي ويردون سلامي. . .» . 2و «وأشهد أنك تسمع الكلام وتردّ الجواب» . 3لقد حددّ الله تعالى الغذاء المعدّ لضيوف الرسالة، ومنه صلاة الليل، وهي صلاة خاصة لرسول الله (ص) قال تعالى: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً 4إنّ الضيوف الحقيقيين للرسول الأكرم (ص) لا يمكن أن يبقوا محرومين من إحياء الليل، فإنّ ضيافة النبي (ص) التهجّد، أما التهجّد في الليل مع السَّبَح الطويل في النهار والذي يسلب الإنسان مجال التهجّد في الليل، فهو أمر غير متناغم ولا منسجم.
إنّ الزوار الحقيقيين ليسوا فقط ضيوفاً بل ورّاث للرسول (ص) ، وسهم الورثة ونصيبهم أرفع وأفضل وأكثر من حظ الضيوف، إنه ليبلغ حدّ صلاة الله وملائكته عليهم، قال سبحانه: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ 5وعليه، فإنّ حاصل ضيافة الرسول الأكرم (ص) هو صلوات الله وملائكته على الزوّار الحقيقيين، ونتيجة هذا السلام وهذه التحية الإلهية صيرورتهم نورانيين، والإنسان النوراني لايلحظ ولايرتبط بالظلمة وبالماديات فاقدة القيمة والاعتبار، إنه لايتعلّق بظواهر الدنيا الخادعة؛ فقد قال رسول الله (ص) : «ليست الدنيا من محمد ولامن آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة، ما أسقى فيها كافراً شربة ماء» . 6بيوت الحقّ الرفيعة
يقول الله تعالى - وهو مؤدب أولياءه -: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ . 7إنّ البيت في هذه الآية وبعض الآيات الأخرى لايقتصر على المسكن المتعارف، بل قد يراد عنه بيت النبوة والولاية