20في مقطع من هذا الدعاء يتحدّث عن القدرة الإلهية فيقول: «وهو للدعوات سامع، وللكربات دافع، وللدرجات رافع، وللجبابرة قامع» .
وفي موضع آخر يتحدث الدعاء عن عناية الله تعالى بدولته، والعيش في كنفها، والنجاة من الكفر وحكّامه، إنّه يخاطب الله تعالى فيقول: «. . . لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إليّ في دولة أئمة الكفر الذين نقضوا عهدك وكذبوا رسلك، لكنك أخرجتني للذي سبق لي من الهدى الذي له يسّرتني وفيه أنشأتني» .
لقد بيّنت في بعض مقاطع هذا الدعاء الشريف أعلى مراتب التوحيد، ففي بعضها جرى الحديث بشكل واضح وصريح، بأنّ فهم الله والوصول إليه عبر آثاره وآياته كبلوغ الشمس في جوّ صاف ونيّر عبر ضوء الشمعة الضعيف، لأنّ الذات الإلهية الأقدس هي أظهر من كل ظاهر وأنور من كل نور، فلم تغب قطّ ولاتغيب أبداً، حتّى تحتاج إلى من يدل عليها، والعارف لايرى قبله سواه ثم يرى بعده آثاره.
لقد جاء في بعض المقاطع الأخيرة لهذا الدعاء ما يلي: «إلهي تردّدي في الآثار يوجب بعد المزار، فاجمعني عليك بخدمة توصلني إليك، كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك؟ متّى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ومتّى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت 1عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً. . .» . 2إنّ الإمام الحسين (ع) يخاطب هنا ربّه: إلهي! وإن كان العالم كلّه آيات توحيدك وعلاماته لكن لاترجع إلى هذه العلامات، فإنّك إن أرجعتني إلى العلامات الآفاقية أو الأنفسية كي أصل عبرها إليك فسوف يطول الطريق، أظهر لي نفسك، فإنّ هذه الآثار عاجزة عن أن تجليك بصورة ناصعة تامّة، حتّى أرض عرفات ومكّة ومواقف الحج التي قلت فيها:
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ . 3لا تملك ظهوراً يُظهرك ويجليك.
إلهي! أنت اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الأَْرْضِ 4، فأنت أوضح من أي علامة وأقرب إليّ منها، فلماذا تحيلني عليها؟ ربي! إنّ الاستدلال يكون لبلوغ الغائب فمتى كنت غائباً حتّى ألتجئ إليه؟ ! فأنت بنفسك قلت: أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 5، فأنت غير محتاج إلى دليل حتّى أستعين بالآيات فأصل إليك، فاظهر على قلبي بالشهود بلاواسطة حتّى أراك.
من المناسب أن يكون هذا الدعاء لبّاً لكل العبادات، فالعبادة ليست سوى ما يحقق مجالاً لظهور المعبود لا غير، فلا يطلب بها سواه، ولا يقصد من ورائها إلاّ معرفته بنفسه.